مفهوم بطلان العقد في التشريع الاسلامي والتشريع التونسي

مفهوم بطلان العقد في التشريع الاسلامي والتشريع التونسي

 البطلان هو الجزاء القانوني لعدم إستجماع  العقد لأركانه كاملة مستوفية شروطها(1) وقد عرفه الأستاذ محمد الزين 

بأنه الجزاء على مخالفة شروط وصحة تكوين العقد وذلك بأن لا يترتب على العقد الباطل أي أثر قانوني بما يصح 

معه القول أن البطلان هو انعدام أثر العقد بالنسبة إلى المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير (2)  

ويختلف البطلان عن الفسخ فإذا كان الأول كما سلف بسطه هو جزاء عدم استكمال العقد لأركانه أو لشروط صحته فإن الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لإلتزاماته النابعة من عقد توافرت فيه عند تكوينه شروط صحته إذا فالجزاءين منفصلين وإن اتحدت آثارهما المتمثلة في زوال العقد بأثر رجعي(3) .

 ونميز أيضا البطلان عن عدم النفاذ باعتباره جزاء يمس عقدا صحيحا توافرت فيه شروط صحته فيما بين

 المتعاقدين لكنه غير نافذ في حق الغير ومثاله المكاتيب السرية.

ولما كان أثر البطلان هــو إعدام العقد رجعيا فإنه ينطبع في الأذهـــان أن هذا الجزاء واحد لا يقبل التدرج، لكن التشريع الإسلامي لم يسلم بهذا الحلّ فأقرّ  أن العقد يتدرج من القوة إلى الضعف(4)  وبالتالي فإن مراتب البطلان تختلف بدورها.

&        

                (1)    عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ج I في مصادر الإلتزام ط 1952 ص 486

(2)     الأستاذ محمد الزين : العقد مرجع سبق ذكره ص 197

(3)  رغم وضوح الجزاءين فإن المشرع كثيرا ما يخلط بينهما فيستعمل مصطلح البطلان للتدليل على الفسخ مثال الفصل 134

      من م.ا.ع والعكس أيضا صحيح ونجد مثاله في الفصول 330 إلى 338 من م.ا.ع

 (4)  الأستاذ محمد الزين: العقد مرجع سبق ذكره ص 202 ف 245

 وعليه ميز الفقهاء المسلمون بين العقد الباطل وهو ما كان غير مشروع أصلا ووصفا أي لا وجود له 


من حيث الأصل والعقد الفاسد وهو ما كان مشروعا بأصله دون وصفه والمقصود هنا الشروط المتعلقة


بصحة العقد التي ينتج عن تخلفها فساده كالإكراه والتغرير.

 كما نجد أيضا العقد الموقوف وهو عقد صحيح لكن ينقصه أحد عنصري النفاذ وهما الملك أو الأهلية،

  فالبيع فيما يجاوز ثلث التركة في مرض الموت صحيح لكنه موقوف على إجازة الورثة وأخيرا نجد العقد

 النافذ غير اللازم الذي يعتبر عقدا صحيحا لكنه غير لازم باعتبار أن أحد طرفي العقد يستأثر بفسخه دون

 التوقف على إرادة الطرف الآخر.

 والملاحظ أن هذا التقسيم لمراتب البطلان على النحو المقترح في الفقه الإسلامي، لا نجد له نظيرا في إطار 

الفقه الغربي الذي يكتفي بالتمييز الثنائي بين البطلان المطلق والبطلان النسبي، خاصة بعد اندثار نظرية 

الإنعدام التي تبناها الفقهاء الغرب في مرحلة سابقة لتعرضها لنقد لاذع من قبل الفقهاء لأنه لا توجد 

مصلحة قانونية من تبني هذا الجزاء لأنه لا فرق عمليا بينه وبين البطلان المطلق إذ  لا يمكن القول أن العقد 

المنعدم هو أشد إنعداما من العقد الباطل بطلانا مطلقا إذ لا تفاوت في العدم(1) 

وقد تبنى المشرع التونسي هذا التقسيم الثنائي للبطلان فالعقد باطل بطلانا مطلقا لعدم توافر أركانه الجوهرية كإنعدام  الأهلية والمحل والسبب والشكل أو لمخالفته النظام العام والأخلاق الحميدة ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به ولو لم يكن طرفا في العقد كما لا يقبل البطلان المطلق الإجازة ولا تسقط الدعاوى المتعلقة به بمرور الزمن (2)  .

&     (1)  عبد الرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني ج I مرجع سبق ذكره ص 489 ف 300  

 (2)   أنظر في شأن تقادم دعاوى البطلان المطلق والجدل الفقهي القائم بشأنه كتاب العقد لمحمد الزين

      مرجع  سبق ذكره ص 231 – 232

أما البطلان النسبي فيجعل العقد قابلا للإبطال بسبب عيب في الرضا أو نقص في الأهلية كحالات الغلط والإكراه والتدليس والغش موضوع الفصول 43-60-61 من م.ا.ع. و 125 –126 من م.ج.ع وينحصر حق إثارة البطلان النسبي في الطرف الذي أراد القانون حمايته لذلك يمكن إجازته ويخضع للتقادم المسقط إذا سكت من تقرر لفائدته البطلان عن حقه في إبطال العقد.

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires