حماية الغير في الكمبيالة

حماية الغير في الكمبيالة 

قد يعمد المتعاقدان إلى إنشاء كمبيالة للوفاء بالإلتزامات  الناشئة عن العقد، وقد يتم تداول الكمبيالة بتظهيرها فيتعدد طبقا لذلك الماسكون لهذا السند بتعدد التظهيرات.

فكان من الضروري أن يخرج هذا الصنف من الأوراق التجارية عن إطار القانون المدني لينفرد بحماية من القواعد الخاصة تبلورت في قواعد القانون الصرفي.

يعد مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات من أهم المبادئ التي تحكم مادة الكمبيالة لأنه يعزز الثقة في التعامل بهذا الصنف من الأوراق التجارية وفي ذات الوقت يشكل حماية ناجعة للغير : الحامل حسن النية.

كرس هذا المبدأ بالفصل 280 وبالفقرة 5 من الفصل 281 م.ت. وقد جاء بالفصل 280 م.ت" إن الأشخاص المدعى عليهم بمقتضى الكمبيالة لا يمكن لهم أن يتمسكوا ضد الحامل بوسائل المعارضة المبنية على علاقتهم الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين ما لم يكن الحامل قد تعمد عند اكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين ".أما الفقرة 5 من الفصل 281 فتنص على أنه " لا يمكن للملتزمين أن يتمسكوا ضد الحامل بوسائل المعارضة المبنيّة على علاقاتهم الشخصية بالمظهر إلا إذا تعمد الحامل عند تسلمه الكمبيالة الإضرار بالمدين" .

إن الهدف من إقرار مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات هو حماية حامل الكمبيالة، فلو عدنا للقانون المدني(2)  لتبينا أن المحال إليه يحل محل المحيل بما يسمح للمدين بأن يعارضه بكل وسائل المعارضة التي كان يمكنه أن يعارض بها دائنه الأصلي. كأن يعارضه بالوفاء أو بالسقوط أو بالبطلان وهو ما يهمنا في إطار هذا البحث.

&    (1) G.RIPERT- René ROBLOT : Traite de droite Com.Tome I 13ème  édition paris L.D.G.J 1989

* J.P. ARRIGHI  : thèse P.Cit P 278 n°110

(2)  الفصل 271 م.ا.ع: " للمدين أن يعارض المحال له بجميع المعارضات التي كان له أن يعارض بها  الحيل إذا كان مستندا وقت الإحالة أو  وقت الإعلام بها..."

فإذا طبقنا هذا المبدأ في إطار الكمبيالة فإنه سيؤدي لمحالة إلى المساس بصفة بليغة بسلامتها. إذ لو مكنا المسحوب عليه من الإحتجاج ضد الحامل بكل الدفوعات التي كان يمكنه الإحتجاج بها على الساحب فإن هذه الدفوعات تنتقل بتداول الكمبيالة وتتعدد بتعدد التظهيرات وهو ما يؤدي إلى إضعاف الكمبيالة وتفاقم الدفوعات.

لكن القانون الصرفي بخروجه عن إطار القانون المدني يجعل الكمبيالة في مأمن من هذه الدفوعات فكل عملية تظهير هي في الواقع عملية تطهير من الدفوعات وهو ما يجعل  الحامل يمسك سنده بكل إطمئنان.

والدفوعات يمكن أن تستند لعيب خفي في الإلتزام الصرفي مثال ذلك بطلان الدين الأصلي أو إنعدامه وهو أمر أكده فقه القضاء (1)  .

لكن السؤال يبقى مطروحا في خصوص الدفع المؤسس على بطلان العلاقات الأصلية كأن يكون العقد الذي من أجله حررت الكمبيالة باطلا بسبب عيب شكلي أو موضوعي.

ومن أمثلة البطلان بسبب عيب في الشكل أن يشترط القانون لصحة العقد أن يكون من قبيل الحجج الرسمية ويقع العقد بحجة غير رسمية ومن أمثلة البطلان بسبب عيب موضوعي نقص أهلية أحد المتعاقدين أو تعيب رضائه بسبب غلط أو إكراه أو تغرير أو عدم مشروعية السبب.

لقد انقسم الفقه الفرنسي بشأن هذه المسألة : ففي حين يرى الفقيه  Percerou  أن المدين يمكن أن يعارض الحامل بالدفع المؤسس على انعدام مشروعية السبب وانعدام الأهلية لتعلقهما بالنظام العام .

إعتبر جانب آخر (2)  أن الحامل لا يمكن أن يتمسك ضده بمثل هذه الدفوعات حتى لو كان البطلان يهم النظام العام استنادا لنظرية الظاهر إذ من حق الغير أن يجهل العيوب الأصلية طالما كان من الممكن الإعتماد على السلامة الشكلية للسند.

 ومن نافلة القول إن الحامل لا يمكنه الإستفادة من قاعدة عدم المعارضة بالدفوعات إلا إذا استجاب لجملة من الشروط أهمها أن يكون حاملا شرعيا وقــد عرفـــه الفصــل 279 م.ت بكونـــه ماســك

&          (1)  Percerou et thaller cite par Ould Beddy Mohamed ELHAFEDH : Le Principe de l’inopposabilité des exceptions en matière de lettre de change mémoire pour D.E.A. 1993

(2)  Ripert et Roblot : applications et fonctions de notions d’inopposabilité en droit commerciale  Melonge virion                                                                                                                              Com 2 Mai 1977 J.C.P IV n° 164

الكمبيالة الذي يثبت حقه بسلسلة غير منقطعة من التظهيرات، فصفة الحامل الشرعي لا يمكن أن تمنح إلا بواسطة التظهير(1)  كما اعترف الفقه وفقه القضاء للمستفيد بصفة الحامل الشرعي(2)  .

ولا يهم مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات إلا الحامل حسن النية فهو وحده الجدير بالرعاية أما الحامل سيئ النية فقد حرم من مزايا الإنتفاع بهذا المبدأ، وهو حل كرسه الفصلان 280 و281 م.ت .

إن حسن النية مفروض في الحامل الذي يتلقى الورقة بمقتضى تظهير ناقل للملكية فلا يحتاج الحامل والحال كذلك إلى التدليل على حسن نيته لأنها أمور تتعلق بدواخل الذات الإنسانية وهي مسائل يستحيل معالجتها أو إثباتها موضوعيا، لذلك يقع على المدين  عبء إثبات سوء نية الحامل . فما المقصود بسوء النية؟

لقد انقسم فقه القضاء المقارن إلى اتجاهين: إتجاه أول يمثله فقه القضاء الأنقليزي(3) الذي اشترط في سوء النية استعمال الحامل خزعبلات وخدع إحتيالية مع الساحب أو أحد المظهرين بغرض التوصل للخلاص رغم الدفع الذي كان من الممكن التمسك به.

أما فقه القضاء الفرنسي (4)  فقد أكد في عديد القرارات بأن الحامل سيئ النية هو الحامل الذي يعلم بالدفع وكذلك بالضرر الذي سيلحق المسحوب عليه باكتساب الكمبيالة لأن المسحوب عليه يفقد بذلك إمكانية المعارضة بالدفع الذي كان يستطيع أن يعارض به الساحب أو الحامل السابق.

أما القضاء التونسي فقد اكتفى بإعادة محتوى الفصل 280 مثال ما جاء في قرار محكمة التعقيب الصادر بتاريخ 17 أكتوبر 1963 (5)  " أن الأشخاص المدعي عليهم بموجب الكمبيالة  لا يمكن لهم أن يتمسكوا في مواجهة الحامل بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بالساحب ما لم يكن الحامل قد تعمد عند اكتسابه الكمبيالة  الإضرار بالمدعي "

إن إثبات سوء نية الحامل هو أمر محمول على المدين عملا  بالقواعد الأصولية في مادة الإثبات إذ البينة على من ادعى وبما أننا في إطار القانون التجاري فالمبدأ هو حرية الإثبات عملا بالفصل 598 م.ت .

&                    (1)    Com 2 Mai 1977 J.C.P IV n° 164

(2)  Hédi LAKHOA : cours de droit commercial 4ème année 2001

(3)  Lettre de change :Endossement :règle de l’inopposabilité des exceptions J.C. Com. Fax 420 édition 1998

 (4)  . RTD com 1957 P 166 + les arrêts worms J.C.P  Page1956 II  9600 avec des  observations + arrêt n°1051                                                                                       du  6-11-1971 RTD Com 1972 n°5

 (5)  قرار تعقيبي بتاريخ 17-11-1963 م.ق.ت 1964 ص 751     

* أنظر سليمان الجلاصي: خواطر حول مقتضيات الفصل 280 م.ت. م.ق.ت 1985 عدد 4 ص 17

كما أن العبرة بتقدير سوء نية الحامل حسب ف 280 و281 م.ت هو  زمن اكتساب الكمبيالة عند تسلمها وهي أمور تخضع لإجتهاد قضاة الأصل ويبقى لمحكمة التعقيب حق مراقبة هذه الإجتهادات لذلك قررت محكمة التعقيب الفرنسية نقض عديد القرارات التي تخلط بين الإهمال وسوء النية(1)  .

إذن تظهر الكمبيالة منفصلة عن شخص صاحبها وعن العلاقة الجوهرية التي يمكن  أن تغطيها وهي من هذه الزاوية تحقق الغاية الأمنية الحمائية بتبني شكلية صارمة تحصن الحامل من كل الدفوعات التي من شأنها أن تقوض حقه. 

لئن وفرت الشكلية حماية هامة للغير ومكنته من ممارسة حقه في إثارة عدم المعارضة بالبطلان  فإن السؤال يظل مطروحا حول مدى الحماية في التصرفات التي لا تتطلب الشكلية (مبحث ثاني).

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires