عدم معارضة الغير بإبطال الترسيمات في القانون التونسي
جاء بالفصل 305 فقرة
نفس الفصل نجد تطبيقا له صلب المادة 15 و17 من القانون المصري الذي أورد نصا خاصا يهم الدائن المرتهن في مادة 1034 مدني مصري " يبقى قائما لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغائه أو زواله لأي سبب آخر إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن" (1) .
يعد الفصل 305 إستثناءا
للمبادئ العامة للقانون المدني باعتباره أقر ثبوت حق أساسه باطل والباطل كالمعدوم
فهل ينقلب المعدوم إلى موجود؟
لقد أقر المشرع التونسي مثل هذا الحل الذي يبدو مناقضا لمنظومة قانونية ولمبادئ عمومية تقضي بأنه ما بني على باطل فهو باطل وأن الشخص لا يستطيع أن يمنح غيره أكثر مما يملك. ذلك أن سند البائع باطل وبالتالي فإن كل التصرفات المتفرعة عن هذا السند هي بدورها باطلة. لكن المشرع في إطار القانون العقاري حصن الغير حسن النية بمبدأ القوة الثبوتية المطلقة للترسيمات والتي تعني بالأساس أن إبطال السند لا يمكن بأي حال أن يعارض به الغير حسن النية الذي وثق في البيانات الواردة بالسجل.
&
(1) ذكر في كتاب نظرية العقد
في قوانين البلاد العربية تأليف الدكتور عبد المنعم فرج الصدة 1984 ص 430-
435. والملاحظ
أننا لا نجد نصا واضحا في القانون التونسي فيما يخص مادة الرهن العقاري تعالج بقاءحق المرتهن رغم بطلان سند الملكية.
فالقانون إذا هو مصدر علم الغير وأساس تعامله وهو أيضا من يتولى حمايته ويثبت حقه رغم البطلان لذلك اعتبر الأستاذ محمد كمال شرف الدين(1) أن الغير اكتسب حقه بمفعول القانون لا بمفعول العقد. لكن هل يمكن لأي شخص أن يحتمي بالقوة الثبوتية المطلقة للترسيم؟ وهل اكتسابه لصفة الغير كاف لحمايته؟
جاء بالفصل 305 فقرة (2) أن إبطال الترسيم لا يواجه به "الغيرحسن النية" يبدو هذا المصطلح على بساطته من أصعب المفاهيم وأكثرها غموضا وتعقيدا خاصة في غياب تعريف تشريعي محدد له وكذلك لصعوبة حصر هذا المفهوم الذي يتغير بتطور العلاقات وتشعبها(2) وكذلك لحركيتها المتواصلة.
فمن يعتبر غيرا عند تكوين العقد يمكن أن يصبح طرفا فيه عند التنفيذ (3) إن هذه الصعوبة في تحديد مفهوم الغير تمتد للقانون العقاري ذلك أن الفصل 305 بفقرتيه الأولى والثانية يحدد مفهومين للغير.
فالغير حسب الفقرة الأولى هو كل من لم يكن طرفا في العقد ولا ممثلا فيه وهو مفهوم موسع. أما الغير حسب الفقرة الثانية فهو الذي اكتسب حقا على العقار اعتمادا على البيانات الواردة بالسجل (4) وهو مفهوم ضيق بالمقارنة مع المفهوم الأول.
وقد عرفت محكمـة التعقيب(5) الغير في قرار تعقيبي مدنـي عـدد 15157 بتاريـخ 16 جوان 1986 أنه " ولئن كان مفهوم الغير ليس محددا في م.ح.ع رغم استعمال تلك العبارة بكثرة في العديد من بنودها فإن المفهوم العام المستخلص من عموم هذه المجلة يفيد أن الغير هو من إكتسب حقا على العقار بالإستناد إلى الترسيم المدون بالسجل العقاري".
- & (1) محمد كمال شرف الدين تعليق على قرار تعقيبي صادر في 25 مارس 1997م.ق.ت ص 9.
- (2) أنظر كتاب الغير عن العقد: دراسة في النظرية العامة للإلتزام تأليف صبري حمد خاطرسنة 2001 مرجع سبق ذكره.
- (3) J.GHESTIN: nouvelles proposition pour un renouvellement de la distinction des parties et des tiers : R.T.D .Civ 1994 P777 – R.T.D. (4) P 277
- (4) حول مفهوم الغير أنظر رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء عنوانها الغير في م.أ.ع و م.ح.ع لسمير محجوب 90-91 .
- (5) قرار تعقيبي مدني عدد 15157 بتاريخ 16 جوان 1998 ت.م.ت قسم مدني 86 جزء II ص 235 .
وقد أكدت محكمة التعقيب هذا الموقف في قرار 21 جانفي 2000 (1) عندما أوردت أن المقصود بعبارة الغير هو كل شخص أجنبي عن عقد التفويت الذي اكتسب بمقتضاه أحد طرفيه حقا عينيا مشمولا بعقار مسجل وكان موضوع العقد يعنيه بحكم ارتباط حقوقه بالعقار المذكور فالغير هو كل من اكتسب حقا على العقار سواء كان حقا عينيا أو حقا شخصيا بعوض أو بدونه مرسما أو غير مرسم.
إن اكتساب صفة الغير لا تكفي، فقد اشترط الفصل 305 أن يكون الغير حسن النية. واعتبرت محكمة التعقيب(2) أن "إبطال الحقوق العينية المرسمة بدفتر خانة والتشطيب عليها بموجب حكم لا تأثير له على الغير حسن النية الذي انجرت له تلك الحقوق.
وحسن النية كمبدأ عام وقع تكريسه صلب م.ا.ع في فصل
558 وقد عرفه الفقهاء (3) من
خلال ثلاثة أبعاد. فاعتبر أنه السلوك المطابق للنزاهة والشفافية في المعاملات
القانونية الأمر الذي يضفي على هذا المفهوم بعدا أخلاقيا واجتماعيا. كما عرف
بالجهل بالعيوب وهو ما نص عليه الفصل
أما
الأستاذ محمد كمال شرف الدين فقد اعتبر أن حسن النية يفيد جهل الغير بالعيوب أو
بالأسباب التي أدت إلى إبطال الترسيم الذي اعتقد في صحته (4) وهو
اتجاه أقرته محكمة التعقيب (5) "
المراد بحسن النية هو أن يكون المشتري لا يعلم وقت شرائه بوجود شراء قبله لما
إشتراه" وقد أكدت المحكمة في هذا القرار أن العبرة بحسن النية هو زمن تلقي
الحق مما يعني أن المعرفة اللاحقة لاكتساب الحق لا يعتد بها ولا تصير الغير سيئ
النية.
&
(1) قرار
تعقيبي مدني عدد 75445 مؤرخ في 21 جانفي 2000
الأستاذ كمال شرف الدين اعتبر الغير هو المشتري
والموهوب له والمعارض والدائن المرتهن
أو الذين يملكون حق شخصي كالمكتري M. Kamel CHARFEDDINE thèse
P.Cit P 160
(2) قرار
تعقيبي مدني عدد 1442 مؤرخ في 20 ماي 1975 ت.م.ت قسم مدني 86 جزء II ص 65
(3) La bonne
fois (journée louisianaises) travaux de l’association Henri CAPITANT des amis
de la culture.
juridique Française 1994 P12
et suiv
(4) «La
doctrine est quasi unanime : il s’agit de l’ignorance par ce tiers des vices ou des causes qui ont
entraîné P 161 l’annulation de l’inscription à laquelle il a
fait foi»Kamel CHARDEDDINE Thèse P.Cit
(5) قرار تعقيبي مدني عدد 55 بتاريخ 9 جوان 75 ن.م. ت . قسم مدني 75 جزء II ص 144.
لكن هل مجرد العلم كاف لإثبات سوء نية الغير أم يجب إقتران العلم بالتواطئ؟
يفرق الفقهاء بين العلم البسيط وهو علم لم يتعد حد الإشاعة وما تحمله الأفواه من الأخبار على غير روية ولمجرد الرواية ومن يشتري لمجرد وجود هذه الرواية لا يعتبر سيئ النية(1) ، وبين ا لعلم المقترن بالتواطئ بين المشتري الثاني والبائع للأضرار بحقوق المشتري الأول(2) وهو إتجاه يتوافق أكثر مع مبادئ الإشهار العقاري .
ويستخلص من ذلك أن مجرد العلم لا يمكن أن يكون قرينة على سوء النية حتى وإن كان موضوعه وجود تصرف سابق على العقار طالما أن ذلك التصرف لم يقع إدراجه بالسجل العقاري لأن المبدأ في القانون العقاري أن الحق غير المرسم هو حق غير موجود مثلما سبق بسطه. وعلى كل حال فإن سوء النية هو محل إثبات وللقاضي سلطة تقديرية مطلقة في تحديده بحسب الوقائع والظروف.
وما تجدر إضافته في هذا السياق أنه يمكن اعتماد تقنية القيد الإحتياطي لإسقاط قرينة حسن النية عن الغير.
والقيد
الإحتياطي هو إحتراز يدون على صحيفة العقار لتحذير الغير بوجود حقوق تهدد العقار
إلى أن يثبت الحق لطالب القيد لذلك فهو
إجراء يهدف إلى ضمان ترسيم حقوق عينية لم تثبت بعد قضائيا.
وهو ما يدعونا للقول أن الغير الذي يتعامل مع عقار
في وجود قيد إحتياطي يفيد أن هذا الأخير على علم مسبق بالعيوب التي تعتري السند أو
الترسيم ونتيجة لذلك لا يمكنه التخفي وراء حسن النية للإستفادة من أحكام الفصل
&
(1) الدكتور
فرج الصدة مرجع سابق ص 437
(2) J.Videl : la théorie générale de la fraude en
droit français Dalloz 1957 p 287
0 Commentaires