حماية الغير في إطار الشركات التجارية

حماية الغير في إطار الشركات التجارية

لا جدال أن حماية الغير في إطار الشركات التجارية تختزل في بقاء العقود التي أبرمها مع شركة حكم عليها بالزوال كنتيجة لبطلان عقدها التأسيسي، وهي غاية لا تتحقق إلا بتمكينه من إثارة مبدأ عدم المعارضة بالبطلان الذي تبرّره الضرورة العملية.

فإذا اندثرت الشركة قانونيا بمفعول البطلان، كان من الواجب أن تعتبر علاقات الشركة مع الشركاء ومع الغير كأن لم تكن.

وفي ذلك خطر كبير على الثقة في المعاملات مما يدفعنا إلى عدم التسليم بهذه  النتيجة خاصة إذا كانت الشركة قد تعاملت مع الغير فأنشأت علاقات أصبحت بمقتضاها دائنة أو مدينة ثم قد تكون حققت أرباحا أو تحملت خسائر، لذلك من غير المنطقي تجاهل مثل هذه الوضعية الواقعية والتمسك بآثار البطلان كما هو مقرر في إطار القانون المدني.

فوضعية الغير والأمر كذلك أصبحت على المحك فمن جهة هو يطالب بتنفيذ العقد. ويتمسك الشركاء من جهة أخرى بإنكار حقه متذرعين بإندثار  الشركة التي لم يعد لها أي وجود قانوني.

ووعيا بخطورة المسألة، تدخل المشرع التونسي ليقر حماية الغير ضمن الفصول 18 م.ش. ت. في خصوص البطلان المؤسس على خرق قواعد الإشهار المحددة بالفصول 14 إلى 16 م.ش.ت. كما تعرض لها أيضا بالفصل 104 فقرة ثانية و182 فقرة ثانية بخصوص الشركة خفية الإسم .

يستخلص مما سلف أنه لا يمكن معارضة الغير ببطلان الشركة بناءا على الأسباب المدرجة بالفصول السالفة الذكر. 

إن إفراد الغير بهذه الحماية التشريعية تمليه في الواقع مقتضيات العدل والإنصاف، إذ ليس من المنطقي أن يتحمل الأخير خطأ إرتكبه الشركاء وليس لهؤلاء بدورهم الإستفادة من خطئهم المتمثل في تأسيس شركة تخالف القواعد القانونية فنمكنهم من الإحتجاج ضد الغير ببطلان الشركة وزوالها رجعيا.

كما أن الغير في الواقع يستحق الحماية لأنه ضحية وضع ظاهر صور له وأنه يتعامل مع شركة صحيحة مستوفية لجميع شروط تكوينها. لكن من هو الغير الذي يعتبر ضحية الوضع الظاهر ؟ و ماهي شروط حمايته؟ 

الغير هو كل شخص لم يكن طرفا في عقد الشركة وكان ضحية الوضع الظاهر فارتبط  بالتزامات مع الشركة.

ولئن اعتبر دائنو الشركة والدائنون الشخصيون للشركاء من الغير فإن السؤال ظل مطروحا فيما يخص  المساهمين وبعض الإجراء فهل يمكن اعتبارهم غيرا ؟

لقد ذهب شق من الفقهاء (1)  إلى القول بأن المساهمين في الشركة خفية الإسم يمكن إعتبارهم غيرا مما يخولهم حق الإنتفاع بمبدأ عدم  المعارضة. وقد برر أصحاب هذا الإتجاه رأيهم باتساع وتضخم حجم هذه الشركات بصورة قد يستحيل معها على الشركاء معرفة بعضهم البعض. 

لكن هذا الإتجاه يمكن نقده باعتبار وأن لاشيء يمنع هؤلاء المساهمين من المشاركة في اجتماعات الجلسة العامة وهي فرصة تمكنهم من الإطلاع على العيوب والنقائص في الشركة. 

كما رأى البعض الآخر (2)  أن وضعية الأقلية من المساهمين في الشركة خفية الإسم لا تختلف كثيرا عن وضعية الغير كما أن الإجراء هم غير لهم طبيعة خاصة بما أنهم ينتمون إلى الشركة ويتمتعون بقواعد خاصة بهم. إلا أن هذا الإتجاه يستدرك ليتبنى مفهوما ضيقا للغير مقصيا المساهمين والمستخدمين من  دائرة هذا المفهوم ليحصره في ممولي الشركة ودائنيها وحرفائها. 

إذا فالغير هو كل من لم يكن طرفا في العقد التأسيسي للشركة وهو كل من تلقى حقوقا وارتبط بالتزامات مع الشركة ومن أبرز فئاته دائني الشركة والدائنين  الشخصين للشركاء.

&          (1)        G.Ripert : les sociétés Commerciales : Paris L.G.D.J. 1968 n 1027

(2)      Travail Collectif sous la Directions du professeur J . Calais Auloy  par les étudiants de D.E.S la                                                                             protection des tiers dans le droit des sociétés R.T.D com 1971 P 29.

بيد أن توفر صفة الغير لا تكفي بمفردها لحمايته من البطلان، بل يجب أن يكون هذا " الغير" حسن النية. 

الملاحظ أن المشرع التونسي وإن أقر حماية الغير فإنه لم يشترط صراحة حسن النية، لكن يمكن القول أن حسن النية مفترض في الفصل 558 م.إ.ع وهو مبدأ عام يحكم مادة الإلتزامات والعقود وعلى خلاف ذلك فقد اشترط المشرع الفرنسي صراحة ضرورة توفر حسن النية صلب الفصل 369 من قانون 24 جويلية 1966 حتى يستفيد الغير من قاعدة عدم المعارضة بالبطلان (1) . 

والمقصود بحسن النية هو جهل الغير للعيوب التي تعتري عقد الشركة فالغير يجب أن يكون ضحية وضع ظاهر إطمئن  فيه إلى صحة العقد وتعامل مع شركة بدت وكأنها مستوفية لجميع شروط تكوينها. لذلك حتى ولو كان سبب بطلان الشركة هو عدم التزامها بإجراءات الإشهار فإن ذلك  لا يعني بالضرورة أن الغير على علم  بعيوب العقد إذ يمكن أن تقوم الشركة بنشاط تجاري بالرغم من عدم إستفائها للإشهار القانوني وتتعامل مع الغير الذي يجهل عيوب العقد التأسيسي الأمر الذي يفترض حمايته من البطلان وإقرار حقه في التمسك بالوضع الظاهر.

وفي المقابل فإن علم الغير بهذه العيوب تجعله سيئ النية ويحتج ضده بالبطلان.

كما تتأكد حماية الغير عند صدور حكم بات يقضي ببطلان الشركة هذا الحكم يمكن أن يقضي على أحلام الغير في الحصول على حقوقه المرتبطة بالشركة التي أصبحت بمفعول البطلان في حكم المعدوم. وتجاوزا لهذه الوضعية استنبط الفقه ما يسمى بالشركة الفعلية وهي شركة باطلة لكن تمكنت من ممارسة نشاطها قبل الحكم ببطلانها، لذلك تعتبر في المدة السابقة على الحكم بالبطلان شركة واقعية ليس لها وجودا قانونيّا طبقا لحكم البطلان وما يقترن به من أثر رجعي ومع ذلك فهذه الشركة الواقعية تنتج الآثار التي تنتجها الشركة الصحيحة ويعتبر تعامل الغير معها صحيحا. 

وتختلف الشركة الفعلية عن الشركة التي تنشأ من الواقع société crée de fait وهي شركة تنشأ بصورة تلقائية بين شخصين فأكثر دون أن يعبرا قانونا عن إرادتهما في تكوين شركة  *.

&          (1)  J.P ARRIGHI : Apparence et Réalité en droit privé : Contribution à l’étude de la protection des tiers.

contre les situations apparentes thèse Nice 1974

*  القانون المصري أقر مبدأ عدم المعارضة بالبطلان في الشركات التجارية ...ف 53 و53 من القانون التجاري المصري

وقد كرس المشرع التونسي الشركة الفعلية في الفصل 104 م.ش.ت : " تعتبر باطلة كل شركة ذات مسؤولية محدودة وقع تأسيسها دون مراعاة أحكام الفصول من 93 إلى 100 من هذه المجلة وتعتبر الشركة  شركة مفاوضة فعلية  في إطار الشركة ذات المسؤولية المحدودة "

ولئن بدت حماية الغير في الشركات التجارية ذات أهمية، إلا أن هذه الحماية تفتقر للشمولية أي أن المشرع التونسي لم يجعل من مبدأ عدم المعارضة قاعدة عامة تنطبق على كل أصناف الشركات ومهما كان سبب البطلان فهذه القاعدة لا تطبق إلا في صورة البطلان المؤسس على خرق إجراءات الإشهار المنصوص عليها بالفصول 14 إلى 16 م.ش.ت.

أضف إلى  ذلك في صورة بطلان الشركة خفية الإسم والشركة ذات المسؤولية المحدودة لعدم مراعاة قواعد التأسيس الخاصة بهما والوارد تفصيلها في الفصول 93 إلى 100 بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة وبالفصول 160 إلى 178 بالنسبة للشركة خفية الإسم ذات المساهمة العامة  وبالفصول 160 إلى 168 بالنسبة للشركة خفية الإسم ذات المساهمة الخاصة.

أما بالنسبة للشركات الأخرى فلا يسمح بإعمال مبدأ عدم المعارضة إلا فيما يتعلق بالبطلان المؤسس على خرق قواعد الإشهار.

والملاحظ أن أخذ المشرع بنظام الشركة الفعلية قد اقتصر على الشركة ذات المسؤولية المحدودة مما يحول دون تعميم هذه النظرية وهو ما يفقدها جانبا كبيرا من أهميتها ونجاعتها.

وقد يثور في هذا الإطار إشكال يتعلق بتضارب مصالح الدائنين بمعنى أنه يمكن أن يتمسك دائنو الشركة بالظاهر وبصحة الشركة في حين يتمسك دائنو الشركاء ببطلان الشركة ومتى أبطلت هذه الأخيرة عادت حصة الشريك المدين إلى ذمته المالية ودخلت ضمن الضمان العام واستطاعوا بالتالي التنفيذ عليها. في هذه الحالة من الأولى بالحماية؟ 

فقه القضاء الفرنسي(1)   حسم النزاع لفائدة دائني الشركاء معللين ذلك بأن دائني الشركة قد ارتكبوا خطأ بتعاقدهم مع شركة كان بالإمكان بمزيد من الحرص والإسترشاد التأكد من شرعيتها. وأكد فقه القضاء الفرنسي أن القانون أراد حماية الغير في دعاوى الشركات فقط أما في علاقات الغير فهو يمنح الأفضلية لأولئك الذين يطلبون البطلان .

&          (1) com. 22 décembre 1969, Bul. Civ 1969

- Com 26 Avril 1971 J.C.P 1972 , II 16986 notre N.Bernard.

لقد انتقد البعض(1) هذا الحل واعتبره مخالفا لنظرية الظاهر التي وضعت لحماية الغير حسن النية فكان أولى حماية دائني الشركة لأنهم في الواقع هم ضحايا الوضع الظاهر. 

لذلك يمكن القول أن حماية الغير تبدو هنا نسبية. لكن هل الأمر كذلك بالنسبة للغير الحامل للكمبيالة 


Enregistrer un commentaire

0 Commentaires