اهمية الاشهار العقاري بالنسبة للغير
يلعب الإشهار دورا كبيرا في حماية الغير الذي يبتغي كسب حق عيني على عقار أو علـى المنقول ذي الأهمية الإقتصادية. والإشهار من هذا المنطلق يهيئ العلم للغير بالوضع القانوني للعقار علـى النحو الذي يتجنب فيه التعاقد لو علـم أن المالك قد سبق لـه التصرف عينيا في العقار، فلو أقدم على التعاقـد لاصطــدم بقاعــدة أصوليـة تقضي بأنه لا يجوز لشخص أن يمنح غيره أكثــر ممــا لنفسه من حقوق.
رغم أهمية الإشهار فإن المشرع التونسي على غرار غيره من المشرعين (1) لم يعرفه. وقد عرفه الفقيه ميشال داقو(2) بكونه مجموعة من الشكليات المفروضة على الأشخاص لتأمين علم كل من يهمه الأمر بجميع الحقوق العينية وبعض الحقوق الشخصية المتعلقة بالعقار.كما عرفه الأستاذ محمد كمال شرف الدين بكونه مجموعة من الشكليات المفروضة على الأشخاص بغاية ضمان علم كل من يهمه الأمر بوجود حقوق عينية عقارية أو بعض الحقوق الشخصية الموظفة على العقار(3).
يستخلص من هذه التعريفات، أن غاية الإشهار هي إعلام الغير بكل الحقوق والتحملات الموظفة على العقار بكيفية تجعله في مأمن من كل المفاجآت الغير سارة التي تباغته أثناء تعامله مع العقار. وهو احتمال يعززه مركزه القانوني وعدم قدرته على الإلمام بصفة شخصية بموضوع عقد لم يكن طرفا فيه.
وقد أكد أغلب الفقهاء الفرنسيين (4) على أهمية الإشهار كأداة لضمان وتحقيق الأمن في التعامل وهو أمر يتحقق بالمعرفة الفعلية للغير بكل العيوب التي قد تشوب تصرفات المتعاملين مع العقار.
من هذا المنطلق يبدو جليا أن الإشهار يمثل جوهر
النظام العقاري وقد أخذ المشرع التونسي بنظام الإشهار العيني عكس القانون الفرنسي
مثلا الذي يعتمد نظام الإشهار الشخصي: ولكي يحقق الإشهار غايته المنشودة في حماية
الغير، إقتضى الأمر أن تتوفر فيه جملة من
الشروط:
&
(1) المشرع الفرنسي نظم الإشهار العقاري ضمن مرسوم 04
مارس1955 والمتعلق بالإشهار الإجباري وفي 14 نوفمبر 1955 المتعلق بالإشهار الإختياري.
(2) Michel DAGOT: Publicité
Foncière–Généralité Juris-Class–CIV annexes, édit Technique 1970 fasc. III P2
(3) Kamel CHARFEDDINE :
les droits des tiers et les actes translatifs de propriété immobilière thèse
pour DEA : Université de Tunis III Faculté de
Droit de Sciences Politique 1990 P 106
(4) نذكر من بين الفقهاء J. duclos: l’opposabilité : Essai d’une trésorie générale these L. G.D.J 1984 P. 298-300
أولها ضرورة إعلام الغير بكل الحقوق الموظفة على
العقار، وهو أمر لا يتحقق إلا إذا تضمن العقار المعلومات الدقيقة التي تخوله – أي
الغير- أخذ فكرة عن حجم الحقوق العينية.
وثانيها هو تمكين الغير من الوسائل القانونية
والعملية التي تيسر له الإطلاع على السجلات المعدة للغرض.
ولتحقيق الغاية الأولى سعى المشرع التونسي إلى
إقرار مبدأ وجوبية ترسيم كل تصرف قانوني من شأنه أن يغير صيغة الحق ويكون للغير
مصلحة واضحة في الإطلاع عليه.
مثال ما جاء بالفصل 373 جديد م.ح.ع " لا يجوز
للورثة أو الموصى لهم التصرف القانوني في حق عيني مشمول بالتركة أو الوصية حسب
الحال قبل ترسيم انتقال الملكية بالوفاة". كما أن العمليات الناقلة للمكلية
بصفة إختيارية تخضع للإشهار فالفصل 373 جديد يؤكد أن الترسيم يشمل الإتفاقيات بين
الأحياء مجانية كانت أو بعوض يكون موضوعها إنشاء حق عيني أو نقله أو التصريح به أو
تعديله أو إنقاصه أو الحد من حرية التفويت فيه، زد على ذلك فإن نظام الإشتراك في
الملكية بين الزوجين أخضعه المشرع لنفس المبدأ (1)
ويعد عقد الرهن العقاري
من أهم العقود المنشأة للحق العيني (2) وهو عقد مخصص لضمان دين أصلي ويخول للدائن
استخلاصه من ثمن العقار المرهون قبل غيره من الدائنين والرهن العقاري لا يتكون
إلا بترسيمه (3) وهذا لا ينسحب إلا على
العقارات المسجلة.
كما يخضع حق الإرتفاق
بدوره لمبدأ الترسيم وفي ذلك حماية للغير الذي يمكنه الوقوف على التحملات الموظفة
على العقار الذي يزمع التعامل بشأنه. كما لا يفوتنا التأكيد على أن عقود التسويغ
تخضع أيضا لنفس الإجراء إذا ما تجاوزت مدتها ثلاث سنوات لتنبه الغير سواء كان
مشتريا أو دائنا أو مرتهنا بالوضعية الحقيقية للعقار.
ولكن، لئن لعب الترسيم
دورا هاما في إعلام الغير بالوضعية الواقعية للعقار وبكل التحملات الموظفة عليه،
فإنه بعد تنقيح 04 ماي 1992 تجاوز الترسيم وظيفته الإعلامية ليصبح شرطا جوهريا
مرتبطا بالحق العيني وجودا أو عدما. بمعنى آخر فإن الترسيم، أصبح شرطا جوهريا
لوجود الحق العيني العقاري إعمالا لمبدأ المفعـول المنشئ للترسيم الذي أصبح سـاري
المفعـول منذ أفريل 2001.
&
(1) حول الإشهار في
نظام الإشتراك في الملكية أنظر مذكرة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء بعنوان نظام
الإشتراك في الملكية بين الزوجين حسب قانون 9 نوفمبر 1998 لثريا بو يحي 2001
(2) أنظر حاتم الرواتبي : إشهار الرهن العقاري: دراسات
في قانون التأمينات : عمل جماعي لهيأت التدريس قانون التأمينات المطبعة العصرية
تونس 1997 ص 248 .
(3) قرار تعقيبي مدني عدد 28578 بتاريخ 27 جانفي 1993 ن.م.ت القسم المدني سنة 1993
إذا ما يمكن استنتاجه مما سلف أن الغاية من الإشهار هي حماية الغير من مخاطر سرية المعاملات الواردة على العقار وتجنيبه انعكاساتها على حقوقه. وهي غاية تتبلور عمليا من خلال تمكينه من الوسائل العملية التي تخوله أخذ فكرة جلية عن الوضعية القانونية للمكاسب التي ينوي التعامل بشأنها. وهو أمر يتيسر بالإطلاع على بيانات السجل.
وهو ما أقره الفصل
فقد أوجب الفصل 387 (جديد) م.ح.ع " أن تسلم لكل طالب نسخة من الرسم العقاري أو شهادة ملكية تثبت الحالة القانونية للرسم في تاريخ تلقي المطالب أو شهادة عدم ملكية" وعلى غرار القانون الفرنسي (2) فإن الحصول على الوثائق المتعلقة بالترسيمات يعتبر حقا مطلقا لا يخضع لقيد ولا يستثنى من ذلك سوى مطالب الحصول على نسخ مشهود بمطابقتها للأصل وبصحة إيداعها من الصكوك المحفوظة بإدارة الملكية العقارية.
يتبين إذا أن الإشهار يلعب دورا محوريا في حماية مصالح
الغير من خلال ضمان معرفته الفعلية بجملة الحقوق أو التحملات الموظفة على العقار
الذي ينوي اكتسابه فيمهد له السبيل لأخذ القرار المناسب على ضوء ما يتراءى له من
معلومات، كما يمكنه أيضا من التمسك بعدم معارضته بالعقد الذي لم يخضع لإجراءات
الإشهار وتبدو عدم المعارضة كجزاء للإخلال بهذه الإجراءات.إذن حماية للغير خول المشرّع
للأول أي للغير إمكانية الإحتماء خلف الظاهر الناجم عن الإشهار أو التمسك بعدم
معارضته بالتصرف الذي لم يلتزم بهذا الإجراء.
&
(1) حماية الغير من خلال الإشهار العقاري إعداد بية
التليلي : رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء لسنة 2003 ص 39
(2) Alex WEILL : Droit Civil : Les sûretés : la publicité foncière précis Dalloz 1979 P 615.
لكن مزايا نظام الإشهار العقاري لا يجب أن تحجب عنا حقيقة ثابتة هي أن الإشهار سلاح ذو حدين. إذ يمكن أن يتحول لسيف يسلط على رقبة الغير إذا كان هذا النظام يشكو جملة من الهنات والنقائص تجعله قاصرا عن تحقيق الغاية المرجوة منه.
فالسجل العقاري في تونس تعتريه نقائص عديدة تعزى لعدم توفر المعلومات الكافية التي يحتاجها الغير خاصة فيما يتعلق بملفات الذوات المعنوية التي يمنع من الإطلاع عليها خاصة وأن إدارة الملكية العقارية تحفظها دون أن تدرج ملخصها بالسجل العقاري ودون أن تمكن العموم من الإطلاع عليها (1) زد على ذلك فإن الوثائق المتعلقة بالترسيمات لا تخبر الغير إلا حول إسم العقار والمالك والحقوق الموظفة على العقار. فالترسيم من هذه الزاوية هو مجرد تلخيص لمضمون الصك الأمر الذي يجعل الغير جاهلا بالحقوق الموظفة على العقار لأن الحماية الفعلية تفرض إنسجاما وتطابقا بين النسخة والواقع.
إن الفارق الزمني بين تاريخ إيداع الكتب وتاريخ إدراجه بالسجل العقاري يجعل الغير الذي تحصل على شهادة الملكية غير واثق وأن الملكية مازالت تحت ذمة الشخص المنصوص عليه بالشهادة. إذ يمكن أن تنتقل الملكية دون أن يقع إدراج ذلك بالسجل، فالعقار إذن يحمل حياتين : الأول يخبر عنه السجل العقاري وآخر يفرضه الواقع (2)
يبدو من خلال ما سبق أن
الغير المتعامل مع السجل العقاري لا يمكنه أن يثق بصفة مطلقة في كل ما ورد في
السجل من بيانات حول العقار وهو أمر يعكسه واقع الرسوم المجمدة في تونس وما تخلفه
من إشكالات عملية.
&
(1) لمزيد التعمق في صعوبات
الإطلاع على السجل العقاري أنظر رسالة حماية الغير من خلال الإشهار العقاري مرجع
سبق ذكره.
(2) M.Kamel CHARFEDDINE : les Droits de Tiers et les
actes Translatif de propriété immobilière,thèse P.Cit
0 Commentaires