مدى الحماية التي تتحقق للغير من خلال الإلتزام بالضمان

مدى الحماية التي تتحقق للغير من خلال الإلتزام بالضمان 

مدى الحماية التي تتحقق للغير من خلال الإلتزام بالضمان

إن الضمان ينتج لفائدة المشتري الذي يجد نفسه مجردا من حقه، مهددا باستحقاق الشيء المبيع منه. وذلك

 إثر صدور حكم يقضي بإبطال سند سلفه.

إذن الضمان أنشأ لغاية حماية المشتري ولضمان استمرار العقد بالرغم من البطلان. وهو من هذه الزاوية 

يستجيب لفكرة ضمان الأمن والإستقرار في المعاملات.

إن البحث عن الأمن في التعامل يعد فكرة جوهرية ومحورية في الحياة العملية، ذلك أنه من الضروري أن

 الشخص الذي اكتسب حقا على عقار أو منقول لا يمكن حرمانه من الإنتفاع بحقه.

لكن هل الضمان حق مخول بمجرد وجود شغب أو تهديد، وهل للضمان طابع موضوعي ؟ أم يجب الأخذ

 بعين الإعتبار العوامل الذاتية ومدى حسن نية المشتري ؟ 

ليقوم إلتزام البائع بضمان فعله الشخصي يجب أن تتضافر جملة من الشروط أهمها ضرورة إتصال الشغب

 (هنا دعوى البطلان) بالمبيع موضوع عقد البيع، وصدور تشويش من البائع على المشتري ينازعه في 

حيازته ويحول دون انتفاعه بالمبيع والمهم في ذلك هو أن يكون هذا " التشويش" فعليا، بمعنى أن مجرد 

الخوف أو الخشية من الشغب لا يكفي لقيام حق المشتري في الضمان.

وما تجدر ملاحظته أن حسن أو سوء نية البائع غير مشترطة لقيام أو عدم قيام إلتزامه بالضمان وهي نتيجة 

أكدها الفصل 630 م.ا.ع حينما اعتبر أن  البائع لا تنفك عهدته من هذا الإلتزام  بثبوت شبهة له أي أنه في

 جميع الحالات ملزم بالضمان حتى لو كان حسن النية.

لئن كان حسن نية البائع لا يؤخذ بعين الإعتبار لتحديد فحوى إلتزامه بالضمان فإن الأمر يختلف بالنسبة 

للمشتري. 

حيث يذهب البعض من الفقهاء  (1)   إلى أن البائع لا يلتزم بالضمان إلا إذا كان المشتري حسن النية وقت

 إبرام العقد بمعنى أنه ينبغي أن يجهل في ذلك الحين خطر الإستحقاق، فإذا كان المشتري على بينة بإمكانية

 استحقاق المبيع منه أو وجود حقوق غير ظاهرة يعني أنه قد قبل تحمل المخاطر وتبعا لذلك فإنه يبرم عقدا

 إحتماليا  (2)  . 

ويقرر  الفقه المصري  (3)  أن إقدام المشتري على الشراء مع إشتراطه عدم الضمان وعلمه بسبب 

الإستحقاق تعني أنه إشترى مخاطرا والعقد يعتبر من عقود  الغرر . 

وصفوة القول أن المقصود بحسن النية هو الجهل بسبب الإستحقاق ولا نعني بسوء النية قصد الإضرار إذ 

يكفي أن يكون المشتري على علم بسبب الإستحقاق أو أن يقوم البائع بإعلامه. وفي جميع الأحوال يقع على 

البائع إثبات سوء نية المشتري. 

أما الشق الآخر من  الفقه (4)  فلا  يأخذ بعين الإعتبار حسن نية المشتري فلهذا الأخير أن يرجع على البائع 

في حالة الإستحقاق الكلي بكافة عناصر التعويض دون اشتراط حسن النية. 

فقه القضاء الفرنسي تبنى الإتجاهين فاعتبر في مرحلة أولى أن البائع يبقى ملزما برد الثمن حتى وإن كان 

المشتري يعلم عند البيع بالخطر الذي يهدد حقه(5)  ولكن في مرحلة لاحقة قطع مع هذا الحل واعتبر أن 

الضمان لا يمكن أن يمنح لشخص وقع تحذيره مسبقا من خطر استحقاق المبيع منه(6)   

وقد سارت محكمة النقض المصرية (7)  في نفس هذا الإتجاه الأخير فاعتبرت أن المشتري يجب أن لا يكون

 عالما وقت شرائه أن البائع له لا يملك المبيع وبأنه يستحيل عليه نقل الملكية لذلك يمكن مطالبة البائع

 بالتعويض لكنه يجرد من هذا الحق إذا كان سيئ النية يعلم بسبب الإستحقاق وقت العقد.

&          (1)  HL et J. MAZEAUD leçon de droit civil Tome III Vol II  vente et échange 1987

             (2)  GHESTIN et DESCHE : vente cite par EL AHMADI opcit.

 (3)  أثر حسن النية على رجوع المشتري بالضمان: الدكتور توفيق فرج الصدة مطبعة جامعة الإسكندرية 1971        

(4)  PLPNIOL et RIPERT : traite pratique de droit civil Français TX PHA mal  1959 – B BROSS : la                                   notion d’obligation de garantie dans les droits de contrats thèse P136  cité par S ARRIGHI thèse p.cit

(5)  Civil 9 mars 1937 RTDCiv. 1937

(6)  Civ. 19 /11/ 1958 J.C.P. 1959 note J. Derrupe

(7)  الدكتور فرج الصدة  أثر حسن النية على رجوع المشتري بالضمان : مرجع سبق ذكره 

أما المشرع التونسي فإنه عكس نظيره المصري(1) لم يشترط صراحة حسن نية المشتري في الفصل 643

 م. إ.ع لكي يتمتع بضمان الإستحقاق.

         لكن الصيغة التي جاء بها الفصل 643 ا.ع تفيد ضمنيا ضرورة توفر هذا الشرط وهو ما أكده الأستاذ 

الأحمدي(2)  عند تأويله هذا الفصل إذ اعتبر أنه في صورة ثبوت حسن نية المشتري جاز لهذا الأخير إبطال

 إدعاءات 

البائع والتمسك بحقه في ملكية الشيء  المبيع.

         فالبائع الذي يقوم بدعوى في إبطال سنده يناقض في واقع الأمر جوهر إلتزامه إذ من غير المنطقي أن يأخذ 

بيد ما أعطاه باليد الأخرى، لذلك اعتبر جانب من الفقه الفرنسي أن دعوى البائع في هذه الصورة مرفوضة، 

فالشخص الذي قام ببيع ما اكتسبه لشخص آخر فقد حقه في طلب بطلان العقد الذي انجر له منه الحق وذلك لاستحالة 

إرجاع العين إلى البائع الأصلي وهو ما أكدته محكمة التعقيب الفرنسية التي اعتبرت أنه إذا كان يستحيل على مدعي 

الإبطال إرجاع الشيء الذي استلمه فإن دعواه لا تقبل (3)  . 

 لكن فيما بعد تراجع الفقه (4) عن هذا الموقف وأقر إمكانية قبول الدعوى لكن أثارها تبقى محدودة تجاه المشتري

 حسن النية الذي يمكنه الإبقاء على العقار أو المنقول مقابل إلزام البائع الأصلي برد الثمن إلى المشتري الذي دفعه، 

وإلزام المشتري بأن يؤدي إلى البائع القيمة الفعلية الشيء الذي استحالت إعادته، فتجرى المقاصة  بين هذه القيمة 

وذلك الثمن ويسدد البائع الفرق الذي ينتج عن المقاصة.

         يتبلور مما سلف أن الدفع بالضمان يعد وسيلة حمائية ناجعة ضد إدعاءات البائع الذي خرق إلتزامه 

بالإمتناع عن كل تصرف من شأنه أن ينجر عنه تشويش لحيازة وتصرف معاقده في مشتراه.

         والإشكال الذي يطرح في هذا الإطار هو  هل يمكن للمشتري الدفع بالضمان ضد الخلف العام أو الخلف

 الخاص للمشتري(5)  ؟

&  (1)  المادة 468 م.مصري" إذا حكم للمشتري بإبطال البيع وكان يجهل أن المبيع غير مملوك للبائع فله أن يطالب بتعويض 

                         ولو كان البائع حسن النية".

(2)  الأستاذ عبد الله الأحمدي – البيع- مرجع سبق ذكره  ص 375- 376

(3)  تعقيبي مدني فرنسي صادر بتاريخ 17/12/1928 دالوز.1929 صفحة 52

(4)  J. Claude Montanier : le contrat 1992 P 124 N° 253

(5)  بعكس الفقه الفرنسي يرى الفقه المصري أنه لا يمكن الدفع بالضمان ضد الخلف العام العام ويرى العلامة السنهوري أن الإلتزام  يبقى

 في التركة وللمشتري الرجوع على التركة  بالتعويض :الوسيط في شرح القانون المدني ج4 فقرة 332 مرجع سبق ذكره  .

يمكن إعتبار أن الخلف العام هو إمتداد لشخص مورثه وبالتالي يمكنه أن يتحمل إلتزاماته واعتباره ملزما 

بالضمان إستنادا  لأحكام الفصل 241 م.إ.ع.

أما بالنسبة للخلف الخاص فإنه هناك شبه إجماع من الفقهاء على استبعاد إمكانية الدفع بالضمان ضد الخلف

 الخاص لأنه لم يلتزم شخصيا بما أبرمه البائع والملاحظ أن المشرع التونسي لم يتعرض لهذا الإشكال.           

         لئن شكل تعرض البائع للمشتري فرصة لاحتماء هذا الأخير بقاعدة من عليه الضمان لا يمكنه الحرمان مما 

يخول له الإبقاء على العين دون الإلتفات لإدعاءات البائع بالبطلان. فإن هذا  الأمر يختلف إذا ما وقع 

المطالبة بالمبيع من قبل شخص غير ملزم بالضمان ونقصد هنا البائع الأصلي في هذه الحالة لا مجال للدفع بالضمان 

ويعدم المشتري في هذه الفرضية الوسيلة للحيلولة دون قيام الوضعية القانونية الصحيحة فلا يمكنه  تجنب آثار 

البطلان فيستحق منه المبيع ولا يسعه إلا القيام بدعوى ضمان ضد سلفه ليعوضه عن الضرر الذي لحقه نتيجة 

استحقاق العقار أو المنقول منه وذلك إما في إطار دعوى بالضمان العارض موضوع ف 635  م.ا.ع أو بالضمان

 الأصلي. وفي كل الحالات إذا استحق المبيع واسترد كاملا من المشتري يكون البائع ملزما بتعويضه طبق الفصل 

663 م.ا.ع    وما يليه، على أن قيمة التعويض تختلف بحسب ما إذا كان البائع حسن النية أو سيئ النية إما إرتفاعا أو تخف               

      يتبلور مما سلف بسطه أن درجة حماية الغير تختلف باختلاف الوضعيات القانونية التي يوجد فيها، فلئن شكل 

الدفع بالضمان حماية ناجعة للغير ( المشتري) الذي يمكنه الإبقاء على الشيء المبيع، فإن الأمر يختلف إذا ما جاءت

 دعوى البطلان على لسان سلف معاقده إذ لا يمكن والحال تلك التمسك بالشيء المبيع، فقط له حق في التعويض 

المالي، وهو حل لا يرضي عادة الغير الذي يعتبر أن حمايته من أثر البطلان لا تكون إلا بالإبقاء على مكتسباته التي 

انجرت له من عقد حكم عليه بالزوال باعتباره حسن النية.

         إن حسن النية في هذه الصورة لا يوفر حماية للغير خاصة إذا كنا إزاء عقد من عقود التفويت التي تخضع 

لحكم البطلان وفي ذلك تهديد لمصالح الغير ولاستقرار المعاملات.

وللخروج من هذا المأزق القانوني وللحد من صرامة قاعدة الرجعية أكد الفقه وفقه القضاء أن على الغير إلى جانب

 حسن نيته أن يثبت وجود وضع ظاهر أوقعه في الغلط. وبذلك تكون حماية  الغير من خلال نظرية الظاهر 

                                      

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires