محتوى الإلتزام بالضمان

محتوى الإلتزام بالضمان

محتوى الإلتزام بالضمان

يعتبر ضمان الإستحقاق من الإلتزامات القانونية التي تقع على عاتق المكري في عقد الكراء والبائع في عقد البيع.

فلا يكفي أن يسلم المكري العين المأجورة إلى المكتري بحالة تسمح له بالإنتفاع بصورة هادئة بلا شغب أو تشويش صادر منه وإنما أيضا كل شغب أو تشويش صادر من الغير، ويكون ذلك إذا ما قام هذا الأخير بدعوى يطالب فيها بثبوت حقه الأمر الذي  يخلّ بانتفاع المكتري وهذه الدعوى يمكن أن تكون دعوى في البطلان.

&            (1)  إلتزام البائع بضمان الإستحقاق في المادة المدنية : مذكرة للحصول على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص :

                     المنصف درويش 1993 -1994.

أما في عقد البيع فقد عرف الفصل 630 م.ا.ع الضمان بأنه "حوز المبيع  والتصرف فيه بلا معارض"

وسنقتصر في تحليلنا على الإلتزام بضمان الإستحقاق في عقد البيع باعتباره من أهم العقود التي يطبق فيها هذا الإلتزام. وقد سبق لنا التعرّض في الفقرة السّابعة إلى الحماية في عقد الكراء.

يقتضي الإلتزام بالضمان من البائع أن يحمي المشتري من كل تشويش صادر من البائع ذاته أو من الغير.

فالبائع مطالب بالإمتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يعكر الحوز الهادئ للمشتري ويحول بالتالي دون انتفاعه الكامل بمشتراه.

والتزام البائع هو إلتزام بالإمتناع عن عمل إذ جاء بالفصل 631 م.ا.ع على البائع " أن يكف عن كل فعل أو دعوى تؤول إلى تشويش المشتري أو حرمانه من الفوائد التي له الحق أن يعول عليها نظرا لما أعد له المبيع وإلى الحالة التي كان عليها وقت البيع".

نلاحظ إذن أن البائع بوصفه مدينا بالضمان عليه أن يمتنع عن مشاغبة معاقده والإمتناع  أيضا عن منازعته فيه.

وقد عرّفت محكمة التعقيب التونسية (1)  الشّغب بأنه " كل عمل مادي أو تصرف قانوني يتضمن بطريق مباشر أو غير مباشر إدعاء يعارض به المدعى عليه حيازه المدعي" .

وتعرض البائع قد يكون ماديا كقيامه بتصرفات يمنع من خلالها المشتري من الإنتفاع كليا أو جزئيا بمشتراه دون أن يدعي حقا شرعيّا على المبيع، أو قانونيا ويعني بالأساس كل إدعاء يصدر عن البائع يكون من نتائجه منازعة المشتري في حقه المكتسب بعقد البيع وهو مناط بحثنا.

إن إلتزام البائع هو إلتزام سلبي يلقى جذوره في قاعدة أصولية مفادها بأن من عليه الضمان لا يمكن الحرمان   «  qui doit garantir ne peut évincer » وهي قاعدة تجد صداها في مبدأ الوفاء بالإلتزامات مع تمام الأمانة المضمن بالفصل 243 م.ا.ع.

فبمجرد إنبرام العقد يلتزم طرفاه بتنفيذه بكل نزاهة وأمانة مستجيبين في ذلك لواجب  التعاون لضمان حسن تنفيذ الإلتزام.

&         (1)  قرار تعقيبي مدني بتاريخ 16 ماي 1989 ن.م.ت. القسم المدني ص 215  وما يليها

(2)  عبد اللـه الأحمدي ، قانون مدني، العقود الخاصة  I  البيع تونس 1977

وقد أجمع الفقهاء تقريبا (2)  على أن واجب ضمان التعرض الشخصي غير قابل للتجزئة لأنه إلتزام

بالإمتناع عن عمل وهو مشاغبة المشتري في ملكيته لمشتراه والإنتفاع الهادئ به لذلك فإنه في صورة تعدد البائعين وصدور تعرض من أحدهم للمشتري، فإن كل واحد منهم مطالب بضمان كامل المبيع.

ولئن كان البائع مطالب في إطار ضمانه لتعرضه الشخصي بالكف عن كل شغب مادي أو قانوني من شأنه أن يشوش على المشتري ويعكر صفو حيازته وانتفاعه بالمبيع، فإن إلتزامه بضمان فعل الغير يقتضي منه إعلام معاقده بمختلف الأعباء أو الحقوق المسلطة على المبيع سواء كانت عينية أو شخصية وهنا إلتزامه يمثّل إلتزاما بتحقيق نتيجة، فإذا بذل أقصى جهده لدفع إدعاءات الغير ومع ذلك نجح هذا الأخير في إثبات صدق إدعائه، أعتبر مخلاّ بالتزامه وتحمل تبعا لذلك آثار هذا الإلتزام  (1)  .

إن ما يهمنا بالأساس في إطار هذا البحث هو ضمان التعرض القانوني الصادر من البائع أو من الغير .

والتعرض القانوني متعدد الصور لذلك سنقتصر في تحليلنا على حالة القيام بدعوى في البطلان. وهي فرضية تثير مسألة  دقيقة يجب استعراضها للوقوف فيما بعد على حلها.

فإذا اشترى (ب) من (أ) عقارا أو منقولا بمقتضى عقد بيع، تم قام (ب) من جهته بالبيع إلى شخص ثالث (ج).

وبعد إتمام العملية اكتشف (ب) أنه وقع تحت غلط أو تغرير فيقوم بدعوى لإبطال العقد الأصلي الرابط بينه وبين (أ) ويبقى الإشكال في تحديد مصير عقد (ج) الذي يجد نفسه في مفترق الطرق لأن بطلان سند معاقده يعني إمحاء كل الآثار المترتبة عنه بأثر رجعي ، وبطلان العقد الأصلي يترتب عليه بطلان العقود المتفرعة عنه عملا بالقاعدة الأصولية أن ما بني على باطل فهو باطل. وفي ذلك خطورة كبيرة على حقوقه.

ويطرح الإشكال بنفس الحدة في صورة بيع ملك الغير، فالبائع في هذه الصورة هو مالك وهمي أحال للمشتري حقوقا لا يملكها في الواقع.

وأهم حق يرتبه عقد البيع هو حق الملكية، لكن المشتري الذي وقع ضحية الظاهر لا يعلم صفة البائع الحقيقية إلا عند ظهور المالك الحقيقي الذي وبمقتضى دعوى في الإبطال كشف حقيقة البائع وفند إدعاءه بملكية المبيع.

&          (1)  الدكتور سليمان مرقس : شرح القانون المدني – العقود المسماة المجلدI عقد البيع ص 374 .

والمشتري إزاء هذا الوضع يجد نفسه بين عشية وضحاها مجردا من حقه في المبيع عاجزا عن ممارسة مكنات الملكية لأن العقد الذي اكتسب بمقتضاه هذا الحق باطل. 

إن الإلتزام بالضمان المحمول على البائع من شأنه أن يحمـــي المشتري في هــذه الحالــة . لكن كيف تتجسد هذه الحماية ؟ 

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires