التكريس التشريعي للظاهر
حماية الغير من الأثر الرجعي للبطلان تجسد من خلال نظرية الحوز التي اعتبرها الفقه تطبيقا غير مباشر
للظاهر(أ) الذي نجد له تطبيقات مباشرة في القانون التونسي(ب)
أ- تكريس غير مباشر:
تشكل نظرية الحوز مظهرا آخر من مظاهر حماية الغير من البطلان (1) . فالحوز إذا انضاف له حسن
النية يمكن أن يدعم موقف الغير ويخوله الحق في الإبقاء على العين رغم أن سند سلفه صرح بإبطاله وهي
نتيجة لا يمكن بلوغها إلا بتوفر جملة من الشروط التي تختلف في مادة العقارات عنه في مادة المنقولات.
بالنسبة للعقارات فإن لعامل الزمن دور جوهري في حماية الغير وفــي استقــرار وضعيتــه . حيـث جـاء
بالفصــل
حوزا
بدون شغب مشاهدا مستمرا بدون انقطاع ولا التباس كانت له ملكية العقار أو الحق العيني بوجه التقادم".
من خلال هذا الفصل نتبين وأن الحائز ليستفيد من آثار الحوز لا بد وأن يستجيب لجملة من الشروط لخصت
في ضرورة توفر عنصرين عنصر مادي ونقصد به السيطرة الفعلية والواقعية على الشيء بما يتطلبه ذلك
من ضرورة أن يكون الحوز هادئا دون شغب.
أما العنصر المعنوي فيقصد به قيام نية التصرف بوجه الملكية لدى الحائز وهو ما أكدته محكمة التعقيب (2)
لما أقرت " أن المراد بصفة مالك الواردة بالفصل 45 مجلة حقوق عينية هي أن يشهد الشهود بأن الحائز
يتصرف في عقار أو حق عيني على عقار تصرف المالك في ملكه ينسبه لنفسه وينسبه الناس إليه"
والملاحظ أن هذا الفصل لم يشترط حسن النية في جانب الحائز وهو ما يفضي بنا إلى القول أنه يكفي
توفر الشروط السالفة البسط في الحائز ليكتسب ملكية العقار أو الحق العيني حتى لو كان سيئ النية يعلم أن
سند سلفه
باطل أو أنه لا يملك صفة (3) ، لكن حسن النية يمكن أن تمكن الحائز من ربح.
&
(1) - Juris Class. Civ. 1994 : contrat et obligation
- Jean
Luc AUBERT : les obligations : 8ème édition 1998
-
François Terre + P. Similer + Yves Lequette : les Obligations 7éme édition
1999
(2) ِ قررا
مدني تعقيبي عدد 1495 صادر بتاريخ 07 جويلية 1977 ن.م.ت ج 2
(3) Juris . class 1994 Op.cit
الوقت واكتساب العقار في مدة زمنية أقصر. وهي فرضية أكدها الفصل 46 م.ح.ع الذي مكن المشتري
الذي يتعامل مع بائع ملك الغير ويجهل تلك الصفة معتقدا بحسن نية أنه المالك الحقيقـــي، أو يجهل أن سند
البائع باطل لعيب يعتريه من التمسك بالمدة المخفضة –عشر سنوات- ليكتسب ملكية العقار بالتقادم بعد أن
استحال كسبها بالتصرف الناقل للمكية لو صدر ممن له الحق.
أما فيما يخص المنقولات، فالحائز تحميه قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية وهي قاعدة أجمعت عليها كل
القوانين الحديثة فوردت بالفصل
كذلك بالمادة 976 ق. مصري والمادة 927 مدني سوري والمادة 786 مدني سوداني و 980 ليبي و 3079 من
أصول المحاكمات المدنية اللبناني والفصل 838 مجلة مدنية جزائية.
إن الفصل
بالمنقول بأن المتوصل منه لا يملكه أو أن سنده باطل ومالكا له.
وجهل الحائز في الواقع مرده الظروف الخارجية التي أحاطت عملية الحوز والتي رسخت فيه الحائز اعتقادا
خاطئا لكنه راسخ بأن المتعامل معه هو المالك الحقيقي أو أن سنده صحيح خال من العيوب التي يمكن أن تجعله
باطلا.
لذلك فالمشرع وضع قرينة صلب الفصل
بالمنقول دون الإلتفات لادعاءات صاحب الحق الأصلي الذي مكنه المشرع من حق استرداد المنقول فقط
في صورة ضياعه أو سرقته وذلك في أجل ثلاث
سنوات طبق ما حدده الفصل
والجدير بالملاحظة أن القرينة الواردة بالفصل المذكور لكي تنتج كل آثارها القانونية تجاه الغير لابد وأن
يستجيب هذا الأخير لبعض الشروط.
ومثلما سبقت الإشارة إليه فإن حسن النية هو أساس اكتساب الحائز لحق لا يملكه لأن جهله بالوقائع يبرر
حمايته.
لكن نظرا لخطورة آثار الحوز على المالك الحقيقي أو صاحب الحق الأصلي فقد جعل المشرع من هــذه
القرينة، قرينة بسيطة وعلى من يدعي سوء نية الحائز الإثبات، أي إثبات علمه بأن معاقـــده غير مالك أو أن سنده باطل أو أن المنقول مســـروق. وهـــو مـــا أكدته محكمـــة التعقيـــب (1) في قرار 27 ديسمبر 1984 "
إقتضى الفصل 53 من مجلة الحقوق العينية أن من حاز شيئا منقولا شبهة حمل على أنه ملك ذلك الشيء
بالوجه الصحيح وعلى من يدعي خلاف ذلك أن
يثبته".
إن إثبات سوء النية يمكن أن يستنتج من الظروف والملابسات التي تحيط ظروف الحيازة وشخصية الأطراف
المتنازعة. وهي أمور تخضع للسلطة التقديرية لقضاة الأصل، وهو ما أكدته محكمـة التعقيب (2) لما اعتبرت أن"
تقدير حسن النية من عدمه من الأمور الموضوعية الراجعة للمحكمة شريطة أن يكون لما استحبته مأخذ صحيح من
الأوراق".
والعبرة
بحسن النية هو زمن الحصول على المنقول نظرا لفورية الحيازة
(3) .
نتبين إذن أن حسن النية مثلت شرطا جوهريا لحماية الحائز لذلك ذهب البعض (4) إلى إعتبار أن الرهن
الموظف على منقول سرق أوضاع يبقى منتجا لآثاره إذا كان الحائز حسن النية وهو حل فيه تغليب للثقة والإستقرار
في التعامل وفيه أيضا حماية مطلقة للحائز.
إلى جانب حسن النية لابد وأن تكون حيازة الغير حيازة فعلية بمعنى السيطرة الفعلية على المنقول وهي
صورة لا تتوفر إلا إذا وجد المنقول بين يدي الحائز وتحت تصرفه. كما يجب أن تكون الحيازة أصلية أي أن يحوز
الشخص لحساب نفسه لا لحساب الغير وبنية التملك وبنية كسب الحق العيني محل الحيازة وتستوي في ذلك أن تكون
الحيازة بالذات أو بواسطة كما يجب أن تكون الحيازة خالية من العيوب ونقصد خلوها من عيب الإكراه والخفاء أو
الإنقطاع، غير أن هذه الشروط لها قيمة عملية محدودة في حيازة المنقولات للطابع الفوري في حيازة المنقول
فمجرد الحيازة ولو للحظة واحدة كافية لكسب الملكية(5) .
&
(1) قرار تعقيبي مدني عدد 010257 صادر بتاريخ
27-12-1984 ن.م.ت لسنة 85 ص 46
(2) ِ قررا تعقيبي مدني صادر في 27 جوان 1979 تحت عدد 2959
(3) ِLa
bonne foi doit exister uniquement au moment de l’acquisition du droit réel , la
mauvaise foi
survenant après le moment n’est plus prise en
considération la sécurité de droit exige que l’on protège
l’acquéreur » la protection de l’acquéreur de
bonne fois en matière mobilière op.cit P 107
(4 ِ Juris- Class opcit 1994
(5) حسن النية في ملكية المنقولات: رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء فوزية لقمري 2000-2001
والملاحظ أن نظرية الحوز في العقارات أو في المنقولات تضفي نوعا من الإستقرار في وضعية الغير
حيث
تمكنه من كسب ملكية العقار أو المنقول أو الحق العيني الموظف عليهما، دون الأخذ بنظر الإعتبار لواقع
السند المعيب أو للصفة الحقيقية للشخص المتعامل معه نظرا لكون الحائز اعتقد واعتقاده خاطئ لكنه مستقر
في صحة الوضعية القانونية. لذلك اعتبر البعض أن التقادم المكسب و الحوز في المنقول هما تكريس عملي
وواقعي
لنظرية الظاهر. فالظاهر الخادع هو الذي حمل الحائز على الإعتقاد في شرعية الوضعية القانونية والواقعية
والظاهر الخادع هو الذي حمله على التعاقد وعلى الوثوق في ادعاءات المالك الظاهر والوثوق في شرعية
سنده.
إذا فالظاهر وحده من يبرر حمايته ويبرر تبعا لذلك
الإبقاء على حقه دون صاحب الحق الأصلي.
لكن هذه النتيجة لا يمكن التسليم بها، لأن نظرية الحوز وإن بدت كتكريس لنظرية الظاهر. إلا أنها تمثل
نظرية قائمة بذاتها لها خصوصياتها وشروطها وآثارها المستقلة عن نظرية الظاهر.
ففي العقارات يكفي الحائز الذي لم يكن مالكا مرور مدة زمنية معينة ليكتسب الملكية بالتقادم دون أن يثبت
الوضعية الظاهرة أو أنه وقع في غلط شائع. ونفس الشيء في المنقول، فالسيطرة الفعلية على المنقول كافية
في حد ذاتها ليكسب حقه بالحيازة. ومن هذا المنطلق تعد نظرية الحوز آلية تشريعية قائمة بذاتها مستقلة عن
نظرية الظاهر وتكرس حماية فعلية للغير من الآثار الهدامة للبطلان.
ونظرية الظاهر رغم اتساع ميدانها الذي يمكن أن يشمل صورا من الحوز إلا أن شروطها المجحفة تحد من
تطبيقها وتؤكد طابعها الإحتياطي وهي مآخذ منطقية أكدها جانب هام من الفقه(1) .
لئن لم نستطع الجزم بكون الحوز بما يوفره من حماية للغير هو تطبيق لنظرية الظاهر. فإن البحث في بعض
الفصول القانونية مكننا من القول أنه وقع تكريسها فعليا. (ب)
ب- تكريس مباشر
من خلال مصافحة سريعة لبعض المجلات القانونية نتبين أن المشرع التونسي قد كرس نظرية الظاهر في
مواقع مختلفة لكن لن تتعرض لكل الفصول لأن طبيعة الموضوع الذي يهم بطلان العقد وضيق مجال
البحث يجعلنا نقتصر على
بعض الأمثلة الهامة كالوارث الظاهر* والمالك الظاهر * والوكيل الظاهر.
& (1) أنظر فتحية قرة مرجع سابق ص 33-34
* J. GHESTIN et G. Gobeaux op. Cit P763
* الوارث الظاهر:
الوارث هو خلف عام تنتقل إليه تركة المورث في حدود نصيبه من الإرث على أن يوجد حيا زمن افتتاح
التركة.
وقد كرس المشرع التونسي
مؤسسة الوارث الظاهر صلب الفصول
و399 م.ا.ع.
إذ جاء بالفصل
رد نصيبه إلى من يستحقه من الورثة وقت موت مورثه فإن ظهر حيا بعد الحكم بموته أخذ ما بقي من نصيبه بأيدي
الورثة" بمعنى أن تصرف الورثة فيما آل إليهم من مناب المفقود يبقى قائما ولا يؤثر فيه ظهوره حيا، ويتجسم
الوضع الظاهر في هذا الإفتراض في قرينة قانونية تستند إلى حكم قضائي هو الحكم بوفاة المفقود، وهنا يفترض
المشرع في الغير المتصرف إليه حسن النية، أي أن اعتقاده كان شرعيا لما اطمأن إلى أن الوارث الظاهر هو
الوارث الحقيقي.
ورغم أن النص جاء بخصوص حالة المفقود المحكوم بوفاته إلا أن دلالته عامة لا تقتصر على حالة معينة إذ
يمكن أن تمتد إلى من اعتبر وارثا ثم ظهر من هو أقرب منه درجة فيحجبه حجب حرمان وتمتد أيضا إلى الموصى
له الظاهر الذي اتضح
بطلان وصيته أو زورها.
وهو ما يتدعم بالتعمق في أحكام الفصل
كان عن جهل كأدائه لوارث في الظاهر مثلا ولو استحقت منه التركة بعد ذلك" والوضع الظاهر في هذه الصورة هو
وجود شخص يتمتع بصفة وارث وبيده سند الدين ظهر للمدين كوارث حقيقي في حين أنه وارث ظاهر لأن التركة
استحقت منه فيما بعد لظهور الوارث الحقيقي. ونتيجة لثراء هذا الفصل اعتبر فقه القضاء (1) أن نظرية الظاهر قد
وقع تكريسها في التشريع
التونسي ضمن الفصل
ويتدعم هذا الرأي بالفصل
سرى حكم ذلك إلى الوارث الحقيقي" من قراءة أولى للفصل يمكن القول أن الوارث الحقيقي يمكنه أن يسترجع
مركزه القانوني كوارث ليتمسك بالقطع تجاه الغير، إلا أن هذا القول مشروط لأن الوارث الحقيقي لا يسترجع
مركزه
القانوني إلا إذا كان ظهوره بعد القطع وقبل المطالبة بالوفاء الناشئة .
& (1) قرار دوائر المجتمعة في 24 أفريل 1997 (أنظر الملحق)
عن العقد وفي غياب هذين الشرطين فإن الوارث الظاهر يحافظ على حقه في التمسك
بالقطع تجاه الغير.
إن تكريس المشرع لنظرية الوارث الظاهر له أهمية عملية كبيرة إذ تكفل حماية حقوق الغير الذي اعتقد في
صحة الوضعية القانونية وتبقي على تصرفه سليما رغم أن معاقده لا يملك حق التصرف وعاجز عن إحالة أي حق
للغير. وهي فرضية تتأكد خاصة في بيع الوارث الظاهر بالنسبة للمشتري حسن النية الذي أكدت محكمة التعقيب (1)
صحته لما اعتبرت "أن الغير حسن النية لا تطوله تبعات اكتشاف الوضعية الحقيقية لأن اعتقاده في صحتها
يعوض
وجودها الفعلي"
بخلاف محكمة النقض المصرية (2) التي أقرت أنه " لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن بيع
الوارث الظاهر صحيح نافذ في حق الوارث الحقيقي فإنه يكون
قد خالف القانون بما يوجب نقضه"
وهو موقف يثير الإستغراب لأن القانون المصري كرس نظرية الوارث الظاهر في المادة 897 وكذلك
المادة
333 التي جاء فيها " إذا كان الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبه فلا تبرأ ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن هذا
الوفاء أو عادت عليه منفعة منه وبقدر هذه المنفعة أو تم الوفاء بحسن نية لشخص كان الدين في حيازته"
وهي حيثية وردت في القرار وأجمع الفقه على أنها تكريس مباشر للوارث الظاهر (3) .
* المالك الظاهر:
حري بنا التأكيد في البدء، أنه لا يوجد في م.إ.ع مبدءا عاما يكرس مؤسسة المالك الظاهر في القانون
التونسي، لكن هذا لا ينفي وجودها
من خلال بعض الفصول. ويمكن اعتبار الفصل
أن تعرضنا له كتطبيق لنظرية
المالك الظاهر كذلك الفصل
المرتب على عقار يتبع العقار في أية يد انتقل إليها".
وبذلك يكرس المشرع حماية الدائن المرتهن من زوال ملكية المدين الراهن بالبطلان أو الفسخ لكن هذه
النتيجة لا يمكن التسليم بها في صورة رهن المنقول لما إقتضى الفصل
&
(1) قرار تعقيبي مدني عدد
57561 صادر في 14 ديسمبر
(2) قرار
29 مارس 1979 نقلا عن فتحية قرة مرجع سابق ص 107
(3) فتحية قرة مرجع سابق ص56
أنه " إذا تسلم الدائن على وجه الرهن شيئا منقولا أو جملة من المنقولات ممن لا يملك ذلك فإنه لا يكتسب حق
الرهن على تلك الأشياء ولو كان حسن النية"
كما يمكن التأكيد أن المشرع اتجه نحو تكريس المالك الظاهر من خلال جواز بيع ملك الغير أو رهنه
الواردة بالفصول
صلب الفصل
* الوكالة الظاهرة:
عرف الفصل
والوكالة الظاهرة يقصد بها التصرف الذي يبرمه الوكيل باسم الأصيل تنصرف آثارها لهذا الأخير دون
وكالة قائمة بين الوكيل والأصيل.
وانتفاء الوكالة مع قيام شبهتها أمر متعدد الصور والفروض كمجاوزة الوكيل لحدود الوكالة كما أرادها
الموكل أو إبرام الوكيل للتصرف بعد انتهاء الوكالة لأي سبب أو إبرام الوكيل للتصرف رغم بطلان الوكالة وهو ما
يهمنا في هذا الإطار.
إذ قد يحصل في الواقع أن يتعامل الوكيل مع الغير بمقتضى وكالة باطلة أو قابلة للإبطال، وقد يكون سبب
البطلان خفيا لدرجة يصعب معها على الغير اكتشافه . فإذا اجتمعت شروط الوكالة الظاهرة فإن تصرفات الوكيل
تمضي في حق الموكل.
وأسباب البطلان تختلف بحسب نوعية البطلان إذا ما كان نسبيا أو مطلقا.
بالنسبة للحالة الأولى فنعني بها بطلان الوكالة لعيب اعترى إرادة المتعاقدين كوقوع الموكول في غلط
جوهري أو تعرضه للتغرير والإكراه ليرغم على إبرام الوكالة، وقد أجمع الفقه وفقه القضاء المقارن على
اعتبار الوكالة نافذة في حق الموكل ما دام الغير المتعاقد معه كان جاهلا لهاته الأسباب، ونفس الحل يسري
في حالة بطلان الوكالة لعيب شكلي وهي صورة كثيرا ما تحدث في إطار تمثيل الشركات إذ قد تكون
تسمية
الوكيل غير مطابقة للشكليات المستوجبة قانونا ولكن بطلان هذه التسمية لا يعارض به الغير حسن النية.
أما في حالة بطلان الوكالة بطلانا مطلقا كأن يوكل شخص شخصا آخر في شراء محل للخناء فإن البائع
الذي يعلم و لا يستطيع أن يعلم بالسبب المخالف للأخلاق الحميدة والنظام العام. يمكنه إلزام الموكل بالبيع
وبالتالي
تنتج الوكالة كل آثارها وهو حل سانده بعض الفقهاء في مصر (1) وعارضه الفقه وفقه القضاء الفرنسي (2)
إذ أن نظرية الوكالة الظاهرة لا يمكن إعمالها في صورة بطلان عقد الوكالة لعدم مشروعية المحل أو
السبب أو إنعدام أهلية الموكل لأن البطلان في هاته الصورة لا يشمل عقد الوكالة فقط بل يتعداه ليشمل
التصرف الذي أبرمه مع الغير.
ونغلب الإتجاه الأول لأن فيه حماية للغير الذي لم يكن بوسعه معرفة سبب البطلان خاصة إذا تعمد الموكل
والوكيل التعتيم حول حقيقة الدوافع الكامنة وراء التصرف.
إن نظرية الوكالة التي صاغها القضاء وسايره فيها الفقه ليوطد إستقرار التعامل ويواجه بها المشكلات
الواقعية والعملية لها سند تشريعي في القانون التونسي يؤيد قيامها.
إذا اقتضى الفصل
عاقد الوكيل جاهلا بالغزل وللموكل حينئذ أن يرجع على الوكيل"
كما جاء بالفصل
سبب من الأسباب
الواردة بالفصل
الصور التي يمكن أن تدرج فيها صورة بطلان الوكالة.
على أن نفاذ التوكيل في حق الموكل وعدم معارضة الغير ببطلانه مقيد بشرطين :
الأول هو أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية يجهل أن الوكيل يعمل دون وكالة أو أن عقد
الوكالة باطل من الأساس. وإذا كانت حسن نية الغير ضرورية لقيام الوكالة الظاهرة فإنها غير مشترطة في
الوكيل.
أما الشرط الثاني فيتلخص في ضرورة قيام مظهر خارجي للوكالة منسوب للموكل ويكون من شأنه أن
يجعل
الغير معذورا في اعتقاده بوجود الوكالة أو بصحتها. ففي حالة الوكالة الباطلة أو القابلة للإبطال يكون سند
التوكيل مظهرا خارجيا لها إذ يستحيل على الغير الذي يتعامل مع الوكيل أن يتبين من الإطلاع على السند
أسباب البطلان.
&
(1) فتحية قرة : مرجع سابق ص
45
(1) َApparence et représentation en droit positif français op.cit
وخلاصة القول أنه إذا توافرت الشروط السالف بسطها وقامت الوكالة الظاهرة فإنه تترتب على قيامها ما
يترتب على قيام الوكالة الصحيحة فيما بين الموكل والغير. وهي نتيجة أكدها القضاء الفرنسي في قرار
1962 وكذلك القضاء المصري إذ جاء في حيثيات محكمة النقض أن (1) " اعتبار الوكيل الظاهر نائبا عن
الأصيل مناطه أن يكون المظهر الخارجي خاطئا وأن ينخدع الغير بهذا المظهر دون خطأ أو تقصير منه
في استطلاع الحقيقة".
تعتبر نظرية الظاهر من الآليات الهامة التي تحمي الغير من الأثر الرجعي للبطلان لكن هذه الحماية تجرد
من أهميتها إذا لم يقع تكريسها عمليا من قبل القضاء التونسي
0 Commentaires