تردد القضاء في تكريس نظرية الظاهر

 تردد القضاء في تكريس نظرية الظاهر 

 

 التكريس القضائي:

 

لقد اتسم موقف القضاء التونسي بدءا بالتردد في الأخذ بهذه النظرية رغم أهميتها (أ) لكن يمكننا الجزم حاليا

أن القضاء التونسي مسايرة لفقه القضاء المقارن قد كرس فعليا هذه النظرية (ب).

      أ- تردد القضاء في تكريس نظرية الظاهر:

                  

         كثيرا ما يجد الغير نفسه في مشكلات واقعية وقانونية لم يكن ليخرج منها لولا لجوء الفقه وفقه

       القضاء لنظرية 

الظاهر هذه الأهمية تجاوزت إطارها النظري الضيق ليتم تكريسها فعليا من قبل فقه القضاء المقارن الذي لم يتردد

في تطبيقها على ميادين هامة من القانون. فالقانون الفرنسي بدأ في رسم ملامح نظرية الظاهر منذ 1897 لتتطور 

النظرية وتأخذ منحى هاما إثر  صدور القرار المبدئي للدوائر المجتمعة بتاريخ 13 ديسمبر الذي أسس نظرية الظاهر

على الإعتقاد  المشروع كمكون وحيد للركن المعنوي كما سبق الإشارة إليه آنفا الأمر الذي أضفى مرونة كبيرة

 على شروط النظرية و  يسر  تطبيقها ومهد لسرعة إنتشارها.

         ونفس المسار إتبعه فقه القضاء المصري حيث يمكن اعتبار أن قرار 16 فيفري 1986 (2)  مثل ميلاد نظرية 

الأوضاع الظاهرة في مصر إن جاء في مبدأ القرار " الوضع الظاهر قاعدة واجبة الأعمال متى توفرت موجبات 

إعمالها واستوفت شرائط تطبيقها، مؤدى ذلك التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن

 النية 

فاقدا في مواجهة صاحب الحق شريطة إسهام الأخير سلبا أو إيجابيا في ظهور التصرف على الحق بمظهر صاحبه"

&          (1)  الطعن رقم 225 ق جلسة 21/1/1971 سنة 22 رقم 18 ص 100 نقلا عن كتاب النسبية والغيرية مرجع سابق

(2)  قرار محكمة النقض 16 فيفري 1986 أوردته فتحية القرة : أحكام الوضع الظاهر مرجع سبق ذكره ص 215.

في خضم هذا التطور الإيجابي الذي شهده القضاء المقارن، اتسم موقف القاضي التونسي بالتردد في الأخذ 

بأسباب هذه النظرية وتكريسها بصورة مباشرة لسد الثغرات القانونية. 

فقد أحجمت المحكمة في قرار استئنافي بسوسة (1)  على الأخذ بنظرية الوكالة الظاهر، حيث اعتبرت أن 

تعيين لجنة من طرف الرئيس المدير العام لتسيير الشركة بصفة مؤقتة هو بمثابة الوكالة ولم تعتبرها وكالة

 ظاهرة.

وعلق الأستاذ Philippe FOCHARD بأنه كان على المحكمة رغم افتقاد فقه القضاء في هذه المادة 

اللجوء إلى نظرية الوكالة  الظاهرة التي كان من الممكن تطبيقها في هذه القضية ذلك أنه رغم عدم صحة

الوكالة الظاهرة التي صدرت عن اللجنة المعنية هي متصلة بالتنظيم الداخلي للشركة لذلك لا يعارض بها 

الغير حسن النية الذي اكتسب حقوقا من خلال الوكالة الظاهرة وفي قضية الحال الغير هما الشخصان اللذان

اكتسبا ملكية الأصل التجاري المتمثل في نقطة البيع حيث أنهما يجهلان كيفية تعيين تلك اللجنة التي يمكن

اعتبارها بمثابة الوكيل الظاهر للشركة وقد تعرضت محكمة التعقيــب(2)  لنظرية الوكالة الظاهرة بصفة

عرضية في إطار نزاع تعلق أساسا بالبيع.

وهذا الإتجاه تبلور في قرار 7 ديسمبر 1982 (3)  حيث جاء فيه " اقتضت القاعدة العمومية الواردة بالفصل

 562 لتبرير تصرفات الوكيل الظاهر أي الوكيل المعزول الذي استمر في العمل بالوكالة رغم عزله مما

 يجعله بتصرف كالوكيل الظاهر".

لكن ما يمكن ملاحظته هو أن المحكمة لم تفلح في ضبط أساس وشروط الظاهر بل اكتفت بذكر كلمة الظاهر

 واعتمدت أساسا (الفصل 562 م.ا.ع) لا يصلح أن يعمم على جميع صور الوكالة الظاهرة، بما في ذلك

 صورة تجاوز الوكيل لسلطاته أو في صورة تصرفه دون وكالة أصلا رغم أنه كان بإمكانها بناء تعليلها

على الإعتقاد المشروع.

&          (1)  قرار إستئنافي عدد 2973 مؤرخ في 11 نوفمبر 1971 ن.م.ت لسنة 1973 صفحة 226 مع تعليق الأستاذ Phillipe FOCHARD

(2)  قرار تعقيبي مدني عدد 483 صادر في 25 نوفمبر 1976 ن.م.ت 1976 قسم مدني ج 3 ص 144

(3)  قرار تعقيبي مدني عدد 5284 مؤرخ في 07 ديسمبر 1982 ن.م.ت 82 قسم مدني ج 4 ص 280

هذا التردد نلمسه أيضا في عدة قرارات حيث تكتفي المحكمة بذكر لفظة المالك الحقيقي أو المالك الظاهر

(1)  أو تكتفي بذكر أهداف الظاهر المتمثلة  في ضرورة حماية الأمن والنظام، إذا اعتبرت في قرار تعقيبي

 مؤرخ في 12 نوفمبر 1982 (2)  أن " دعاوى كف الشغب لا غاية من ورائها سوى المحافظة على الوضع

 الظاهر حماية للأمن والنظام وحق القيام بهذه الدعاوى ينشأ من مجرد حصول واقعة مادية أو قانونية

 تتضمن بطريق مباشر أو غير مباشر إدعاء يتعارض مع حيازة الحائز" 

كل هذه القرارات تؤكد عدم نضج التجربة القضائية التونسية في نسج خيوط نظرية الظاهر.

لكن صدور قرار 24 أفريل مثل نقطة التحول التي أرخت لميلاد هذه النظرية (ب). 

ب- إقرار القضاء التونسي لنظرية الظاهر

لقد كان لعامل الزمن دورا محوريا في نضج التجربة القضائية التونسية، دورا كبيرا في تخمر الفكرة

 ورسوخ المنهج وثبات المبدأ في تطبيق نظرية الأوضاع الظاهرة كلما كانت ملابسات القضية ووقائعها

 تمكن من ذلك.

ولقد اعتبر القرار المبدئي الصادر عن الدوائر المجتمعة في 24 أفريل 1997 (3)   نقطة الإنطلاق التي

 خلصت القضاء التونسي من شرك التردد وانعدام الجرأة في السير على نهج القضاء المقارن وفي المقابل

 مثل دعما لوضعية الغير وحماية ناجعة لحقوقه بإرساء نظرية الظاهر.

وتفيد وقائع القرار بأن المدعين في النزاع بمعية المسماة ربح قدموا طلبا في استحقاقهم ثلاثة أرباع قطعة 

أرض كائنة بمنطقة وشتاتة  معتمدية غر الدماء . عمد إلى الإستيلاء على جميعها المدعى عليهما وامتنعا عن

 التخلي عن ما هو خارج عن مستحقهما وبعد إستيفاء الإجراءات القانونية قضت محكمة البداية باستحقاقهم

 للأرض وألزمت المدعى عليهما برفع أيديهما عنها وتسليمها للمدعين بمن فيهم ربح.

واستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم فدفع المستأنف ضدهم بانعدام أهلية التقاضي لدى المستأنف ضدها التي 

وافاها الأجل قبل رفع الإستئناف وقضت محكمة الأصل ببطلان عريضة الإستئناف لخرقها أحكام الفصل

19 

م م م ت ونفس الحكم أقرته محكمة التعقيب فتعقب المحكوم ضدهما القرار لنفس السبب.

&            (1)    قرار تعقيبي مدني عدد 23076 مؤرخ في 25 12 مارس 1991 ن.م.ت 1991 قسم مدني ج 1ص 88

(2)  قرار تعقيبي مدني عدد 10673 مؤرخ في 12 نوفمبر 1984 ن.م.ت 1984 قسم مدني عدد 2 سنة 1985 ص121

                                 (3)  قرار الدوائر المجتمعة صادر في 24 أفريل 1997 (أنظر الملحق)

لذلك انتصبت الدوائر المجتمعة فأقرت صحة الإستئناف استنادا للأمر الظاهر.

ما يهمنا في هذا القرار أن الدوائر المجتمعة نجحت في رسم شروط النظرية ومبرراتها إذ جاء به " حيث

 أن الإعلام كيف ذكر يكون واقعا مرئيا يعتبره الملاحظ مبنيا على وضعية قانونية حقيقية مما يجعله جاهلا

للوضعية القانونية الصحيحة دون إهمال أو تقصير.

وحيث أن هذه الظروف المحيطة بالإعلام وما اكتنفها من تجهيل هي التي أدت بالطاعنين إلى الإعتقاد في 

صحة الأمر الظاهر  .

هاتان الحيثيتان على غاية من الأهمية إذ لخصت فيهما المحكمة كل شروط الظاهر. من ضرورة وجود

 واقع مرئي مشاهد يواري حقيقة تصرف خفي ويدعمه ركن معنوي يتمثل في الإعتقاد عن حسن نية في

 صحة الوضعية الظاهرة دون أن ينسب للغير تقصير أو إهمال في تقصي الوقائع بالإسترشاد حول 

الوضعية القانونية والواقعية وهي أمور تنطبق على نزاع الحال فقيام المعقب ضدهم بإعلام المعقبين 

بالحكم  الصادر لفائدتهم بمن فيهم المرأة المتوفاة يمثل واقعا مرئيا يؤكد صحة إعتقادهم في كون هذه

 الأخيرة لا تزال على قيد الحياة  خاصة وأن كل الظروف والملابسات توحي بصحة هذا الإعتقاد. أظف

 إلى ذلك فإن تعمد المعقب ضدهم إخفاء  واقعة الموت التي جدت قبل تاريخ الإعلام بالحكم يؤكد سوء

 نيتهم 

ويدعم بالتالي حسن نية المعقبين. 

وهو ما أكدته المحكمة في الحيثية السادسة " حيث أنه إضافة إلى ذلك فإن صدور الإعلام بحكم باسم 

شخص اتضح أنه متوفي قبل تاريخ الإعلام يخفي وراءه إرادة متعمدة لمغالطة الغير"

إذن محكمة التعقيب بدوائرها "المجتمعة نجحت في ضبط أساس هذه النظرية وأثارها وقد بررت توجهها

 بأن تصحيح الإجراء وإنقاذه من الإبطال، يستجيب لمتطلبات الثقة والأمن في التعامل خاصة وأن المشرع

 قد تبنى النظرية في الفصل 252 م.ا.ع بما يسمح لنا بالقول أن هذا القرار كان بمثابة المنهج الذي سارت 

علي منواله أغلب القرارات اللاحقة والذي أكد من خلاله القضاء إصراره وثبوته وتمسكه بتطبيق هذه

النظرية حماية للغير وضمانا لإستقرار التعامل. وهو ما نستشفه من خلال الورود الزمني للقرارات.

         ففي قرار صادر بتاريخ 14 ديسمبر 1998 (1)  أقرت المحكمة صحة البيع الصادر من الوارث

&          (1)    قرار  تعقيبي مدني عدد 57561  صادر في 14 ديسمبر 98 م.ق.ت. نوفمبر 1999 (أنظر الملحق)

الظاهر بعد أن أثبت المعقب أنه اشترى العقار بعد إطلاعه على حجة وفاة المالك الحقيقي التي أثبتت أن ا لبائعة له

 هي الوريثة الوحيدة "إن اعتماد الطاعن على حجة وفاة المالك الأصلي للعقار وهي حجة رسمية هي التي أدت إلى

 الإعتقاد في صحة الأمر الظاهر"    

   من خلال هذا القرار يتضح أن الإشهار كان مصدر اعتقاد الغير في صحة الوضعية القانونية فالإطلاع على

 حجة الوفاة هو الذي برر اعتقاده الخاطئ في صحة الوقائع ويثبت بالتالي حسن نيته. لذلك تأسيسا على الوضع

 الظاهر يمكنه الإحتفاظ  بصفته كمالك ويقر بالتالي تصرفه في العقار .

نفس الإتجاه أقرته محكمة التعقيب في قــرار الدوائر المجتمعـــة عــــدد 12499 مـــؤرخ فـــــي 11 نوفمبر

 1999 (1)   حيث اعتبرت المحكمة أن رافع الطعن يجهل الوضعية الحقيقية دون إهمال أو تقصير منه 

استنادا للأمر الظاهر ولكن المحكمة في هذه القضية اعتبرت أن ثبوت  علم الطاعن بالوضعية القانونية 

يقصي حسن نيته وتجعل من استناده للأمر الظاهر غير ذي موضوع لأن "رفع الطعن بالخطأ البين ضد

 نفس الشخص المتوفي ينفي عن صاحب الإدعاء بجهل الحقيقة الواقعية وهو ما يجعل الطعن مختلا شكلا" 

والجدير بالذكر أن محاكم الأصل تأثرا بالسلطة الأدبية لمحكمة التعقيب نحت  نفس المنحى لما أقرت جواز

 كراء ملك الغير استنادا لنظرية الظاهر وذلك في قرار استئنافي غير منشور صادر بتاريخ 12 جانفي2001

 جاء فيه" حيث وإن كان المبدأ هو عدم جواز كراء ملك الغير إذا لم يجزه المالك الحقيقي عملا بالفصلين

 783 و 576 م.ا.ع فإن مبدأ استقرار المعاملات وقرينة مطابقة الواقع للحقيقة يوجبان استثناء حالة الكراء 

من المالك الظاهر فيكون تصرفه نافذا في حق المالك الحقيقي" (2)   .

من خلال هذه القرارات يمكن الجزم بأن القضاء التونسي وعلى غرار القضاء المقارن قد كرس فعليا نظرية 

الظاهر وبذلك يكون قد قطع مع حالة التردد والغموض التي  طبعت المرحلة الماضية ويؤكد على نضج 

المرحلة الحالية وانعكاساتها الإيجابية في سد الثغرات القانونية وتدعيم حماية الغير وهو موقف نباركه عساه 

يتدعم أكثر في مستقبل الأيام الآتية.  

&          (1)    قرار تعقيبي مدني عدد 23076 مؤرخ في 25 12 مارس 1991 ن.م.ت 1991 قسم مدني ج 1ص 88

             (2)  قرار الدوائر المجتمعة عدد 12499 مؤرخ في 11 ديسمبر 98 م.ق.ت نوفمبر 99 صادر عن منشورات  مركز الدراسات

    القانونية والقضائية 2001 (أنظر الملحق)

(3)  قرار إستئنافي عدد 72658 صادر بتاريخ 12 جانفي 2001 غير منشور 

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires