الدور الحمائي لنظرية الظاهر

الدور الحمائي لنظرية الظاهر

       

     إن تناول  مسألة الظاهر يبرره في الواقع أهمية هذه النظرية في حماية الغير ودورها في الحفاظ على حق ما كان لينشأ لو انتج البطلان كل آثاره وسرنا على حكم القانون (أ) لكن لا يجب أن نأخذ الأمور على إطلاقيتها  بل يجب أخذ المسألة في حدودها المرسومة لها (ب)

أ- الظاهر :"كمنشئ للحق"

            لا غرو  أن أهمية الظاهر تكمن في إكتساب  الغير حقا ما كان ليكسبه لو اعتمدنا السير الطبيعي لحكم القانون فمن اكتسب حقا أساسه عقد باطل لعيب يشوبه أو لصدوره مما لا يملك صفة ، هو في الحقيقة لم يكتسب سوى الوهم والسراب باعتبار أن ما بني على باطل فهو باطل.

مثل هذه النتيجة تفوضها  نظرية  الظاهر، فالحقوق التي استحال على الغير الحصول عليها بسبب البطلان يعترف له بها  استنادا للظاهر .

ومن هنا نتبين أن نظرية الظاهر تلعب دورا خلاقا ومميزا في إكساب الغير حقا بتجميد الآثار الهدامة للبطلان ولنضرب مثلا في ذلك لملامسة أهمية الحل المتوصل إليه. 

فلو أن شخصا اشترى قطعة أرض لبناء مشروع إعتمادا على إعلان نشر بالجريدة، ثم وبعد إتمام إجراءات البيع، بدأ الرجل في مباشرة إجراءات البناء لكنه فوجئ بدائن معاقده يطالب بإبطال البيع لأن البائع هو في الواقع مدين معسر قام بالبيع للهروب من مطالبة دائنيه. بديونهم المستحقة الأداء المشرع في هاته الصورة خول للدائن حق إبطال تصرفات المدين التي فيها إضرار بحقوقه خاصة وأن الفصل 306 م.ا.ع لم يشترط صراحة سوء نية معاقد المدين. وتأسيسا على ذلك فإن المشتري يمكن أن تفتك منه الأرض على أساس أنها ضمان عام للدائنين وليس له الحق سوى في التعويض المالي.

تطبيقا لنظرية الظاهر: فإن المشتري حسن النية الذي اعتمد على الإعلان المنشور بالصحيفة ولا يعلم حقيقة معاقده، يمكنه الإحتجاج بالظاهر  تجاه الدائن ولا يمكن تبعا لذلك معارضته بالبطلان.

أما الدائن فرغم وجود نص قانوني يحميه فإنه فقد إمكانية إستخلاص دينه لأن حقه في الضمان العام لم يعد له أهمية بضياع العقار وتلاشي فرصة بيعه ليستخلص منه دينه.

مثل هذه النتيجة نجد لها فروضا متعددة في القضاء الفرنسي تؤكد الإتجاه نحو تطبيق موسع لهذه النظرية، فالظاهر يمكن أن يمنح صفة الزوجين لشخصين أبرما عقدا باطلا، وهي تنشأ حق الملكية لمشتري عقار من مالك ظاهر، وتصحح سند خلف بالرغم من أن سند سلفه باطل وقد اعتبرت محكمة التعقيب أن الخلف لا يستمد حقوقه من سلفه أو من المالك الأصلي وإنما من القانون في حد ذاته، فالقانون وتكريسا لنظرية الظاهر  أكسب الخلف حقوقا لا يملكها (1)    وفي هذا الإطار أكد الفقه (2)    أن الظاهر لا يصحح تصرفا معيبا فالعقد في كل الحالات يظل باطلا لكن نظرية الظاهر تجمد فقط مفعول البطلان تجاه الغير بغاية حمايته. 

في حكم أولي متسرع يمكن الإنتهاء إلى القول أن نظرية الظاهر  تقوض السير العادي للقواعد القانونية. لكن بالتعمق في أساس النظرية نتبين أنه لا تعارض بين القانون وبين نظرية الظاهر التي تطبق بمفعول القانون ذاته. و برر جانب من الفقه وفقه القضاء الأثر المكسب للظاهر انطلاقا  من حسن النية ومن الإعتقاد المشروع لدى الغير المخدوع لكن هذا الرأي مردود لأن حسن النية والغلط الشائع ليسا سوى شرطان من بين شروط أخرى يلزم توافرها لتطبيق الظاهر.

وقد أثار البعض الآخر فكرة العدالة (3)   في حين بررها آخرون إنطلاقا من ضروريات النظام العام والمصلحة العامة(4)   .

لينتهي الجدل بإثارة فكرة الأمن والثقة في التعامل ، لأن ضروريات الحفاظ على الأمن الإقتصادي والأمن في التعامل يبرر التضحية بالمصالح الفردية والأمن المستقر لصالح ما يسمى بالأمن الحركي . 

كما يمكن القول أن فكرة الظاهر يمكن أن تكون أساسا قانونيا كافيا لإقرار ونفاذ التصرف الذي أبرمه الغير مع صاحب الوضع الظاهر.

&                       (1) Juris-class.Civ : contrat et obligations 1994 art 1304 a 1314 fasc.50

                                   (2) J : Ghestin –G. Goubeaux Op.cit P 791 et S.

                 (3) A.Weill : principe de la relativité des convention en Droit privé français thèse P.Cit n° 345

(4) ِ « des conséquences plus graves d’ordre public et d’intérêt général au point de vue de la stabilité des

conventions et le maintien des transactions intervenues de bonne foi R.T.D. Civ. 1941 Obs. SAVATIER .

Apparence et représentation en droit positif français O.P.cit P 173 N° 372

هنا نظرية الظاهر تهدف للملاءمة بين المصالح المتضاربة فتغلب مصلحة الغير إذا استجاب لشروط الظاهر وفي الصورة المعاكسة نبقي على الوضعية الحقيقية ويصبح المنطق القانوني البحث هو الساري.

لا يقتصر دور نظرية  الظاهر على إكساب الغير حقا وهميا اعتقد في وجوده بل تمكنه من الإحتجاج بهذا الحق على صاحب الظاهر  وصاحب الحق الأصلي ابتداء وعلى الكافة انتهاء. فاكتساب حق دون إمكانية المعارضة به لا يعني شيئا على مستوى التطبيق. ويترتب على الأثر الإحتجاجي للظاهر نشأة إلتزامات يتحملها صاحب الحق الظاهر وصاحب الحق الأصلي وقد طرح السؤال حول أساس هذه الإلتزامات فاقترح البعض نظرية النيابة ثم نظرية الصورية وصولا إلى أحكام المسؤولية المدنية وتبين أن كل هذه الأسس قاصرة عن استيعاب كل فرضيات النظرية. 

لذلك انتهى البحث لتقرير فكرة الخطر " Risque " كأساس وحيد للأثر الإحتجاجي لنظرية الظاهر، فعلى صاحب الحق الأصلي أن يتحمل المخاطر التي ينطوي عليها التعامل، لأن الغير الذي وضع ثقته في الظاهر ثم اكتشف أن هذا الظاهر غير مطابق للحقيقة، يجب حماية حقه بالتضحية بالحقيقة لمصلحة الظاهر. وصاحب الحق الأصلي يتحمل المخاطر التي تمليها ضرورات الثقة والأمن فيلتزم ، تبعا لذلك، إلتزاما سلبيا بعدم  التعرض للغير في حقه المكتسب سواء بالدعوى أو بالدفع، كما يتحمل إلتزاما إيجابيا تنتج عن التصرف المبني على الظاهر كأن يقوم بتسلم العين المأجورة للغير المخدوع. في العقار الذي وقع التصرف فيه بالكراء الظاهر. 

أما صاحب الوضع الظاهر فالتزاماته نابعة من العقد الرابط بينه وبين الغير المخدوع أو بالصفة التي ظهر بها. 

وتعتبر هذه الإلتزامات عن الطابع الحمائي لنظرية الظاهر كوسيلة فقه قضائية تأسس لإقرار العدل بإعلاء الحق. لكن لا يجب أخذ هذه النتيجة على إطلاقها (ب).

ب-حدود النظرية:

لئن وفرت نظرية الظاهر بتطبيقاتها حماية ناجعة للغير من أثر زوال العقد بمفعول البطلان إلا أنه لا يجب أبدا التوسع في هذه النظرية التي يجب أن تظل في حدودها المرسومة لها. 

لأن نظرية الظاهر وإن كفلت حماية الغير فإنها بالمقابل مثلت وسيلة للإضرار بصاحب الحق الأصلي الذي يجد نفسه ملتزما دون أن تكون له إرادة أو رغبة في الإلتزام ودون أن يكون التصرف بالضرورة مفيدا له، بل في أغلب الحالات يحمله التزامات تضر بمصالحه وتجافي إرادته الحقيقية.

من هنا تبدو نظرية الظاهر مخالفة للعدالة العقدية وتجافي الحرية التعاقدية التي تعتبر من المبادئ العامة التي تقوم عليها مادة الإلتزامات بوجه عام.

لذلك  اعتبر Ghestin أنه لا يجب أن تتحول نظرية الظاهر " لحالة حق" Etat de Droit فهي تنشئ بعض الحقوق للغير في صور محدودة  إذ لا داعي للتمسك بالزيف والخداع إلا في حالة الضرورة فقط.

لذلك فالقضاء الفرنسي لا يلجأ للظاهر إلا إذا استحال الوصول إلى نفس الحل بوسيلة قانونية أخرى.

لذا ونظرا لخطورة هذه النظرية على حقوق صاحب الحق الأصلي وشذوذ النتيجة المترتبة على الأخذ بحكمها كان لها فقط دورا  إحتياطيا لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة الحتمية. 

لذلك طوق الفقه وفقه القضاء هذه النظرية بحملة من الشروط المجحفة كضرورة توفر حسن النية وعدم وجود خطأ ينسب للغير أو ضرورة  أن يسهم صاحب الحق بخطئه سلبا أو إيجابا في ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه أو اشتراط شواهد تحيط بالمركز الظاهر وتبعث على الإعتقاد بمطابقة هذا المظهر. 

كما أن الطابع الإستثنائي لهذه النظرية يقودنا لتحديد ميدانها فهي لا تطبق  إلا في التصرفات بعوض أما عقود التبرع فيجب أن تقصى لأن مثل هذه العقود لا تؤثر على أمن المعاملات ولا تلحق ضررا جسيما بالغير الذي لن يصيبه إلا ضياع منفعة إكتسبها مجانا. 

إن البحث في أساس حماية الغير من خلال الظاهر لا يجب أن يتحول لمجرد سرد نظري عقيم لأهمية  النظرية، بل يجب ملامسة هذه الأهمية من خلال رصد كيفية تناول المشرع التونسي لهذه النظرية عمليا 

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires