دعوى الخلف
فقرة (1) : دعوى الخلف
يمكن للخلف الطعن في العقود التي أبرمها سلفه إذا كان في تنفيذها ما يهدد مصالحه وفي هذا الإطار نميز بين
الورثة بوصفهم خلفا عاما (أ) والخلف الخاص(ب).
أ-
حق الورثة في الطعن في تصرفات مورثهم:
يعتبر الوارث طبق الفصل
حقوق أو إلتزامات، بعبارة أدق فإن العقود التي يبرمها
مورثه تلزمه وتجري أحكامها عليه.
بيد أن المورث قد يعمد في فترة يغلب عليه فيها الإحساس بالوهن والعجز ودنو الأجل، إلى إبرام تصرفات
يكون الهدف منها حرمان الورثة من حقهم الشرعي في الإرث، فيفاضل بينهم أو يفوت في أعيان التركة
لغيرهم.
لئن تعرضت مجلة الإلتزامات والعقود بفصولها 354 –355-565 و 1481 كذلك مجلة الأحوال الشخصية
بفصلها 206 ، لأحكام مرض الموت إلا أنها التزمت الصمت فيما يخص تعريفه، شأن أغلب التشاريع
العربية(1) .
وقد عرفته مجلة الأحكام العدلية بالمادة 1595 حيث تنص "مرض الموت هو الذي يغلب فيه خوف الموت
ويعجز معه المريض عن رؤية مصالحه خارجا عن داره إذا كان من الذكور وعن رؤية مصالحه داخل
داره
إذا كان من الأثاث ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة سواء كان صاحب فراش أم لم يكن" .
من خلال هذا التعريف نلمس مدى تأثير الفقه الإسلامي على أحكام مرض الموت الذي تكفل برسم ملامحه
وتحديد شروطه رغم اختلاف المذاهب حول بعض الجزئيات المتعلقة به (2) ويستخلص من التعريف
الوارد
بمجلة الأحكام العدلية أن مرض الموت هو المرض المنذر بالهلاك الذي أقعد صاحبه عن مباشرة مصالحه
وينتهي
بالموت الحتمي.
في غياب تحديد تشريعي لمفهوم مرض الموت، اجتهد القضاء التونسي لسد هذا الفراغ التشريعي وصدرت
في هذا المضمار جملة من القرارات.
فاعتبرت محكمة التعقيب في قرار صادر في 20 نوفمبر 1966 أن " المقصود من مرض الموت هو
المرض المخيف المنذر بالوفاة العاجلة(3) .
&
(1) تراجع المادة 445 و 446 من قانون الإلتزامات السوري +
مادة 477 من القانون المصري + المادة 1069
من القانون العراقي + مادة 479 و344 و345
من القانون المغربي + مادة 408 من القانون الجزائري، والملاحظ أن القانون الأردني
شكل الإستثناء بأن عرف مرض الموت في المادة 543 من تشريعه المدني.
(2) حول هذا الإختلاف يمكن
الرجوع لـ: M.K : Charfeddine thèse P.Cit page 229 ets
(3) قرار تعقيبي مدني صادر في 20 نوفمبر
كما ورد في قرار تعقيبي عدد 1776 بتاريخ 30 نوفمبر 1989 " أن مرض الموت الذي تكون تصرفات
المريض خلاله قابلة للإبطال، هو المرض الذي يغلب فيه الموت ويعجز معه المريض عن مباشرة مصالحه
وينتهي فعلا بالموت" (1)
وأكدت المحكمة في قرار آخر أن مرض الموت " هو الذي يجعل المريض يعيش في حالة يأس من الحياة
وينتابه شعور بدنو الأجل فيتصرف بدافع هذا الشعور" (2) .
رغم تنوع هذه القرارات فإنها تجتمع حول ثلاث عناصر تميز مرض الموت.
فمرض الموت هو المرض الخطير الذي ينذر بالهلاك و دنو الساعة لذلك نقصي من دائرة المرض الموت
الأمراض البسيطة أو أمراض الشيخوخة أو الأمراض المزمنة ومحكمة التعقيب تكون مصيبة في توجهها
لما اعتبرت أن " الشيخوخة والمرض المزمن وما يترتب عليهما لا يمنعان صاحبها من التصرف في
أملاكه بالتفويت ما لم تظهر عليه علامات مخيفة تنذر بالموت " (3) .
وهو موقف يستمد جذوره من الفقه الحنفي الذي ينفي عن الأمراض المزمنة صفة مرض المــوت (4) .
لكن السنهوري أضاف أنه في صورة اشتداد هذه الأمراض في مرحلتها الأخيرة وانتهت بالوفاة عدت
مرض
موت (5) .
وفي كل الأحوال فإن خطورة المرض عادة ما تستنتج من خلال بعض المظاهر الخارجية التي تنذر بتدهور
حالة المريض الصحية وتنبئ بدنو أجله. لذلك أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية أن قعود المريض عن قضاء
حاجياته وقصوره عن مباشرة أعماله، تعد من شروط مرض الموت التي تختلف باختلاف الأشخاص
وتتباين من وضعية إلى أخرى، لذلك فهي أمور تخضع لإجتهاد المحاكم التي لها مطلق النظر في تحديد هذه
الشروط بشرط التعليل.
&
(1) قرار تعقيبي مدني
عدد 17768 صادر في 30 نوفمبر 1989 ن.م.ت 1989 ص 427
(2) قرار تعقيبي مدني عدد 36384
صادر في 28 ديسمبر
(3) قرار تعقيبي مدني عدد 17168 مؤرخ في 17 أفريل 1973 ن.م.ت 1974 وفي نفس هذا المعنى قرار تعقيبي عدد 4408 مؤرخ في 29
نوفمبر 1966 ن.م.ت 66 ص 48 + قرار تعقيبي مدني عدد
3684 صادر في 28 ديسمبر سبق ذكره.
(4) الأستاذ عبد الله الأحمدي
: عقد البيع مرجع سابق الذكر ص 37
(5) عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – الج4 – البيع-ص398
وهو ما ورد بصفة صريحة في عديد القرارات أهمها قرار 24 مارس 1988 الذي أكدت فيه المحكمة أنه "
لم يحدد الفصل 565 من م. ا.ع مرض الموت، مما يجعل تحديده وضبط أعراضه مسألة موضوعية يرجع
تقديرها لإجتهاد حكام الأصل... ولا رقابة عليهم في ذلك طالما كان إجتهادهم معللا بما له أصل ثابت في
الأوراق" (1) .
لكن خطورة المرض لا تكفي، بل لا بد وأن يقترن المرض بالموت كنهاية حتمية ومنطقية لتدهور حالة
المريض، وهو ما يقتضي أن يظل البائع في حالة مرض منذ إبرام البيع مثلا إلى تاريخ الوفاة بمعنى يجب أن
تكون بين البيع في مرض الموت والوفاة رابطة قوية.
ويثور إشكال يتعلق بمدة المرض في غياب نص قانوني اختلفت المحاكم في تحديده هذه المدة (2) لتنتهي
بتقرير أجل السنة (3).
وقد انتقد الأستاذ الكناني هذا التحديد لأنه لا يمكن حصر مرض الموت في مدة محددة لأن هذه الأخيرة
تختلف باختلاف كل حالة و تخضع للتقدير الموضوعي للقضاة الأصل (4) ويمكن أن يستدل في ذلك بما
يقرره أهل الخبرة (5) ونقصد بهم الأطباء المختصين.
إن حالة الهلع والخوف من دنو المنية التي تعايش المريض مدة مرضه، هي التي أثرت في تصرفاته فيفاضل
بين الورثة أو يحرمهم من حقهم ليؤثر به غيرهم، وهنا تكمن علة التصرف الذي يراد به الإضرار بحقوق
الخلف العام ومن هنا نتبين ضرورة توفر المحاباة التي تعتبر شرطا جوهريا لإبطال تصرفات المريض في
مرض الموت.
وهو ما أقرته محكمة التعقيب (6) " بيع المريض في مرض الموت لوارث باطل
شريطة المحاباة"
لئن ورد هذا الشرط صراحة في الفصل
للمحاباة هما البيع بأقل من الثمن المتعارف عليه بكثير أو الشراء بأزيد ومع ذلك يمكن القول أن هذين
المثالين وردا على سبيل الذكر لا الحصر ويمكن إدراج صور أخرى التي يبقــى للقاضي وحده حق
تقديرهـا
&
(1) قرار
تعقيبي مدني عدد 18890 صادر بتاريخ 24 مارس 1988 ت.م.ت 1988 ص 341
(2) قرار تعقيبي مدني عدد
4408 مؤرخ في 29 نوفمبر 1966 سابق الذكر : حدد مدة المرض بـ 3 أشهر
(3) قرار تعقيبي مدني عدد
11510 مؤرخ في 31 ديسمبر
(4) Youssef
Knani : la protection
juridique du malade : réflexion sur la politique législative
tunisienne : thèse Université
de droit d’économie et de Sciences Sociales de Paris (Paris II 1980 )
(5) سامي القلال : إجازة
العقد الباطل من خلال م.ا.ع مذكرة . شهادة الدراسات المعمقة كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس 199 3 ص 119
(6) قرار تعقيبي مدني عدد 961 مؤرخ في 04 فيفري 1978 ن.م.ت 1979
من هنا نتبين أن خطورة تصرفات المورث في مرض موته هي التي أملت على المشرع حماية الورثة بأن
مكنهم من حق التمسك بإبطال تصرفاته هذا الحق امتد أيضا للخلف الخاص
0 Commentaires